الأحد، 18 ديسمبر 2016

النهى عن الإسراف والحث على ترشيد استهلاك الماء في السنة النبوية

: النهى عن الإسراف والحث على ترشيد استهلاك الماء
وذلك في فعله صلى الله عليه وسلم { فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد"[1]  [2]

القصد والاعتدال في الأمور كلها من أخص خصائص الأمة الإسلامية ومن أهم مقاصد شريعتها وبالتالي يصبح النهي عن الإفراط والتفريط مبدأ إسلاميا هاما وخاصة فيما يتعلق بأنشطة الحياة اليومية وسلوكيات الاستهلاك في الأطعمة والأشربة لما يترتب عليها من الحفاظ على الموارد من جهة وصيانة البيئة المحيطة من جهة أخرى قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين".

ولقد تعددت النماذج التربوية في السنة النبوية الشريفة التي تهدف إلى الحفاظ على الموارد البيئية وخاصة الماء والدعوة المتكررة من خلال القدوة والتوجيه النبوي للحفاظ على الماء وترشيد استهلاكه ، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد". – متفق عليه.

نص الحديث
في «صحيح مسلم» (1: 101) رحمه الله تعالى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتوضأ بالمدّ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد.

وروى الترمذي (1: 39) رحمه الله تعالى عن سفينة رضي الله تعالى عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان يتوضأ بثلث المد ويغتسل بالصاع، قال أبو عيسى:حديث سفينة حديث حسن صحيح.

شرح الحديث
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في ما يجزئ في الوضوء، يعني: المقدار من الماء الذي يكفي للوضوء، وقد أورد أبو داود رحمه الله فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد)، والصاع أربعة أمداد، والمد فسر بأنه ملء اليدين الممدودتين المتوسطتين مرة واحدة، وهو ربع الصاع؛ لأن الصاع يتألف من أربعة أمداد، فكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بالمد وهو ربع الصاع ويغتسل بالصاع.)[3]

والمقصود من ذلك: أن الإنسان عليه أن يتوضأ ويجري الماء على جميع أعضاء الوضوء، وأقل شيء يكفي في ذلك ما يحصل به الإجزاء، والإسباغ هو: أن يجعل ذلك ثلاث مرات، ويجعل الماء يسيل على أعضائه، ويدلك أعضاءه. والإجزاء هو: وصول الماء إلى جميع أعضاء الجسد مرة واحدة، وقد جاء في هذا الحديث أنه كان يتوضأ بالمد، وجاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه كان يكفيه ثلثي المد، يعني: أقل من مد، هذا فيما يتعلق بالوضوء، وأما الاغتسال فجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل بالصاع، ويغتسل بخمسة أمداد، أي: بصاع ومد.

السبق النبوي في مسألة الحفاظ على الماء وعدم الإسراف في استعماله

1- تتحدث السنة النبوية عن الماء في هذا المجال حديثا فائق الرقي والتحضر - يعكس تقديرا وفهما عظيما لدور هذا الكائن الحيوي وعظيم ضرورته لسائر الكائنات والمخلوقات .

2- جعلت السنة النبوية وعلي هدى من القرآن العظيم – الماء الطهور أداة الطهارة الأولى والرئيسية في التشريع الإسلامي , وأعلت من شأن الطهارة وحثت عليها إلى الدرجة التي ترقى إلى معادلة نصف الإيمان , قال صلى الله عليه و سلم: "الطهور شطر الإيمان".فالماء إذن يصبح متداخلا بقوة وبصورة أساسية في مسألة الإيمان وهي في الإسلام مسألة عقيدة.

3- ربطت السنة النبوية بين التعامل مع الماء كقضية قيم سلوكية إنسانية وما تجسده هذه القيم من (إيجاب) أو (سلب) (نافعة أو ضارة) بمردوداتها الإيمانية من ثواب أو عقاب في الدار الآخرة.

4- أكدت السنة النبوية على الحق الإنساني المبدئي في الماء , وصرحت بهذا الحق العام والمشاع وشددت على تحريم احتكاره أو إفساده أو إهداره , ونستطيع أن ندرك ما في هذا الجانب الأخير من أهمية , إذا علمنا أن ثمة العديد من المحاولات والخطط ذات الآليات الفاعلة وخاصة لدى الدول الكبرى للهيمنة على منابع الماء والاتجاه بقوة نحو عولمته.

5- ربما يكون الإنسان في عصوره الحديثة أكثر احتياجا لهذا الهدي النبوي الكريم الذي ينهى عن الإسراف في استخدام الماء والنزوع إلى تعميم سلوكيات التربية الرشيدة وتعميق هذه الناحية التربوية لدى الأجيال نظرا لما تتسم به حياتنا العصرية من إسراف شديد واستهلاك كميات ذات أرقام فلكية من الماء النظيف وإهدارها إهدارا , وتتضح هذه الظاهرة بصورة أكثر في الدول الصناعية والمتقدمة نظرا لاعتماد النشاط الصناعي اعتمادا كبيرا على الماء[4].
وربما يهمنا أن نعلم أيضا أن استهلاك الفرد في الدول المتقدمة من الماء يصل حوالي 260 لترا يوميا , حيث يلزم استخدام 11 لترا لطرد قاذورات المرحاض في كل مرة , كما يلزمه 105 لترا لغسيل الأطباق و 115 لترا لتشغيل غسالة أوتوماتيكية.

الباحث / محمد احمد سليممعلم بالأزهر الشريف



[1] متفق عليه
[2]الصاع : أربعة أمداد , والمد 128 درهما وأربعة أسباع الدرهم ، حوالي 404 سم3.
[3] ( شرح سنن أبي داود [019] ) الشيخ عبدالمحسن العباد
[4] "ذاكرة الماء المهددة بالزوال" - دراسة- محمد العربى بوقرة - أخبار الأدب ص15 العدد 445

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...