الأحد، 18 ديسمبر 2016

القيم الإسلامية التي تؤكد على تكاتف أبناء الوطن


أولا: نظرة الإسلام إلى الإنسان فردا
 لقد نظر الإسلام إلى الإنسان نظرة خاصة في أرقى تصور حيث أن التكريم الذي شمله كان بمعزل عن دينه وانتمائه العرقي والقومي ووضعه المادي أو غير ذلك حيث يقول الله عز وجل (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) [الإسراء 70]

ثم إن القرآن قد خاطب الإنسان باعتباره كائنا فاعلا وراشداً فأرشده إلى ما شمله من تسخير ما في السماوات والأرض يقول الله عز وجل (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)[ لقمان 20]              وقال (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه)[ الجاثية13]

وقد أشار القرآن إلى أن الإنسان كائن مكافح يعمل في إطار فردي وآخر اجتماعي انطلاقا من تحويل الطبيعة وصولا إلى استكشافه أسرار الله في الخلق والترقي بالوضع الإنساني عموما وكل هذا يهيئ التقارب والتعايش بين الأفراد.

ثانيا: نظرة الإسلام إلى الإنسان في المجتمع
إن موقف الإسلام من التعايش موقف نابع من طبيعة الإنسان نفسه فهو أرقى الكائنات في عالم الشهادة وهو أحوجها لأن يعيش في مجتمع من الناس يشارك فيه غيره مختلف ضروب الحياة بما فيها من تعاون وتكامل وتوزيع للأدوار داخل مجتمع يقبل الفرد في إطار المجموعة لتحقيق مصالح مشتركة.

والمتأمل في القرآن يصل إلى جملة من الحقائق المتصلة بالطبيعة الإنسانية أبرزها:

1- أن الإنسان كائن اجتماعي يدل عليه خطاب القرآن للإنسان فردا وفي المجتمع.
2- أن الناس يختلفون في الطبائع والمشارب واللغات والألوان والاستعدادات وأن هذا الاختلاف لا يمنع التقارب والتعاون والتكامل (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [يونس118]
3- أن التعاون مقصد من مقاصد الإجتماع الإنساني لما يجرّه من منافع وفوائد تحقق المصلحة والتقدم للفرد والمجتمع.
4- أن مفهوم (السخرة) من المفاهيم القرآنية التي تفسر تكامل الأدوار وتحقق التقارب والتعايش بين الناس (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) [الرحمن7-8]

ومن هذا المنطلق جاءت التعاليم الإلهية تحدد الأسس التي يجب أن ينبني عليها المجتمع وتحدد الأطراف المكونة لهذا المجتمع وفي المقابل الأحكام والتشريعات التي تضبط العلاقات داخل هذا الإطار الذي يقبل مبدأ التعايش.

وانطلاقا من هذه النظرة الخاصة لأسس المجتمع أرشد القرآن إلى حقائق متصلة بالإنسانية تعد جسورا للتقارب والتعاون وتخفف التوترات وتمتص مختلف النزعات التي تزرع التفرقة وتميز بين بني البشر وتتمثل هذه الحقائق فيما يلي :
1- أن أصل الناس واحد (آدم + حواء) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)[ النساء 1]
2- أن التفاضل بين الناس يكون على أساس خشية الله والتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات13]
3- أن وظيفة الإنسان الوجودية تتحدد من خلال فكرة الاستخلاف.
4- أن الإنسان كائن خطّاء يسعى إلى الترقي بنفسه ومجتمعه نحو الكمالات المختلفة
5- أن حرية التفكير مبدأ أساسي يضمن عدم الإكراه للفرد في الدين والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع.

وانطلاقا مما سبق فقد حرص الإسلام على تأكيد فطرية الحياة الإجتماعية في الإنسان بموجب تفاعل تلقائي يحصل بين صفات الإنسان البيولوجية والنفسية وبين الظروف الخارجية وما تستوجبه من تأقلم ضروري يحتمه قانون الانتخاب الطبيعي والتكيف الاجتماعي.

وقد أكد على ما للمشابهة في الأصل والتكوين من تأثير على التقارب بين الناس فالإنسانية مناط الوحدة وهي أساس التآلف والتعامل بينهم وهي كذلك أصل بناء العلاقات انطلاقا من الأسرة ثم العائلة فالعلاقات بين أفراد المجتمع الكبير والقرآن في كل ذلك ينفي الاجتماع مع العداوة.

وهو أيضا لا يعتبر التجمع البشري مجتمعا إلا إذا أبعد عن كل أفراده جميع المخاوف الممكنة والمتوقعة وهذا يعني أن المجتمع في نظر القرآن لا يكون وسطا اجتماعيا بحق إلا إذا كانت العلاقات فيه تهدف إلى توفير دواعي الأمن وأسباب الحياة المطمئنة ولا يتم ذلك في نظر القرآن إلا بالتعاون الذي أمر الله تعالى به في قوله عز وجل (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة 2]

ثالثا: الإسلام والتعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده
المتأمل في رعايا الدولة الإسلامية زمن النبي صلى الله عليه وسلم يلحظ وجود ثلاثة أقسام :
1- المسلمون من المهاجرين والأنصار.
2- المشركون من الأوس والخزرج الذين بقوا على دينهم.
3- اليهود وهم أقسام : قسم داخل المدينة وهم بنو قينقاع.
و ثلاثة أقسام خارج المدينة وهم بنو النضير و يهود خيبر و بنو قريظة
وتوجد أصناف أخرى من غير المسلمين وهم أهل الكتاب غير اليهود وأصناف أخرى من المشركين.

وقد عايش المسلمون غيرهم زمن الرسول وفي عهود الخلفاء الراشدين على الأسس التالية :
أ- احترام العهود : دعا الإسلام إلى احترام العهود والوفاء بها واعتبر ذلك واجبا قال تعالى ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم) النحل . ومن موجبات الوفاء بالعهد عدم التعرض للذميين في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة) فقه السنة.
ويروي يحي بن آدم في كتاب الخراج أن عمر رضي الله عنه لما قرب أجله أوصى من يلي الخلافة من بعده وهو على فراش الموت بقوله (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرا وأن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفهم فوق طاقتهم).
وقد بعث عمر رضي الله عنه قبل ذلك إلى عمرو بن العاص أثناء ولايته على مصر (إن معك أهل الذمة والعهد فاحذر يا عمرو أن يكون رسول الله خصمك).
وقد جاءت الوصية العمرية لأهل بيت المقدس لتدعم هذا التوجه الإسلامي في معاملة أهل الذمة ونص هذه العهد مشهور ومعروف (هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها, أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم ولا من شيء من أموالهم).

ب- البر والإحسان بغير المسلمين : لقد أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى من يعايش المسلمين ويعاشرهم معاشرة حسنة ولا يعمل على تدميرهم وإخراجهم من ديارهم وأما من يعمل على قتال المسلمين وإخراجهم فقد أمر بقتالهم ونهى عن برهم مصداقا لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) [الممتحنة  8-9]
ولقد ظل التعايش قائما بين المسلمين وغيرهم بسبب إقرار الإسلام حرية التدين لغير المسلمين سواء كانوا كتابيين أم غير كتابيين.



ج- ترك غير المسلمين على عقائدهم : يقول الله تبارك وتعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وروى أن وفد نجران – وكانوا من نصارى العرب- لما قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا مسجده وحانت صلاتهم فقاموا يصلون في المسجد فأراد الناس منعهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم  فصلوا صلاتهم ثم عقدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم عهدا يدفعون بموجبه الجزية وكتب لهم (لا نغير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته ولا كاهن عن كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا مما كانوا عليه)[1]

ولقد كفل الإسلام الحرية الدينية لكنه اشترط على غير المسلم نحو الدولة الإسلامية شروطا هي واجبات تضمن حق المواطنة :
1- إعطاء تكاليف مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة (الجزية).
2- الالتزام بالمعاملات المتعلقة بالحياة العامة.
3- الخضوع لنظام العقوبات في الإسلام المتعلقة بالمعاملات.

رابعا: الإسلام والتعايش السلمي بين الأديان في هذا العصر
إن الإسلام من موقعه كدين سماوي يقوم على مبادئ ثابتة وأسس واضحة لا يرفض التعايش إذا كانت الغاية منه تلقائية تهدف إلى خدمة الأهداف الإنسانية السامية وتحقق المصالح البشرية العليا وأهمها استتباب الأمن وانتشار السلم في الأرض وردع العدوان والظلم والاضطهاد الذي يلحق بالأفراد والجماعات والشعوب  شرط أن يكون هذا التعايش محكوما بالاحترام المتبادل بين أصحاب الديانات والإنسانية جمعاء, بما يدعم التقدم وخدمة القضايا الإنسانية العادلة وقيم الخير والعدل.

ونجد أن الإسلام من خلال هذا المفهوم كان أقرب الأديان للتعايش وإلى استيعاب هذه الحقيقة بالنظر إلى إيمان المسلمين بجميع الرسل واحترامهم للرسالات السماوية.

ومن الضروري أيضا التذكير بأن التعايش باعتباره مظهرا من مظاهر التسامح لا يرتد إلى انتهاك حقوق المسلمين أو الاعتداء على معتقداتهم أو مس مشاعرهم أو الإساءة إلى مقدساتهم أو تشويه تاريخهم وحقائق دينهم لأن ذلك لا يعد بحال من الأحوال أمرا مقبولا أو مسموحا به بالمرة.

والتعارف الذي أقره القرآن يدل على إمكانية التعاون والتعامل بالمعروف ويمكن أيضا أن يستوعب قيم الحوار والجدل بالتي هي أحسن والاحترام المتبادل.

والإسلام يرى أن التعايش بين أكبر الديانات السماوية ينطلق من أرضية عقائدية يقول تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) المائدة.

فالمساحة المشتركة بين أهل الكتاب والمسلمين مساحة واسعة وعليه فإن التعايش منطلقه إيماني وهو بالتالي متجذر في تاريخ الحضارة الإسلامية ويزداد في هذا العصر تألقا ودعما.

والتعايش بين الأديان يفقد جدواه وقيمته حين ينقلب إلى إصرار البعض على استغلاله وتوجيهه الوجهة التي لا تخدم الأهداف الإنسانية وذلك حين نجد طائفة من النصارى لا يؤمنون بالتعايش ولا بالحوار ولا بالتعاون وإذا نادوا بذلك فهم يقصدون استغلالهما لفرض الهيمنة الدينية التي لا تكاد تختلف في شيء عن الهيمنة السياسية أو الاقتصادية.

إن التعايش الذي يجب أن يفهمه المسلمون لا يعني تمييع المواقف ومزج العقائد وتذويبها وصبها في قالب واحد ذلك أن أصحاب العقائد السليمة لا يقبلون هذا الخلط المريب الغامض ويرفضون التفريط في خصوصياتهم. ومن الأسلم أن يقوم التعايش على الأسس التالية :
- تعظيم شأن الخالق وتنزيهه.
- تنزيه الرسل عن انحرافات المخلوقين.
- وضع قاعدة الحوار بين الأديان على أساس البحث فيما يجمع ولا يفرق ويحقق الأمن والسلام العالميين.

ومن مظاهر التعاون بين الأديان :
- المحافظة على البيئة السليمة.
- تشجيع البحث العلمي لخدمة أغراض نبيلة.
- محاربة الانحلال الأخلاقي وتفكك الأسرة.
- مقاومة كل الأوبئة التي تضر بالفرد والمجموعة.
ومن المفروض أن يتجه التعايش نحو إنصاف المظلومين والمقهورين في الأرض جميعا والعمل على إقرار مبادئ الحق والعدل والحرية.

محمد احمد سليم 
معلم بالازهر الشريف












[1] فقه السنة : 11/158

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...