الأحد، 18 ديسمبر 2016

القران الكريم والحفاظ على بيئة الماء

القران الكريم والحفاظ على بيئة الماء.

الماء سر وجود الأحياء، وهو الأساس فيما يحدث على الأرض من أنشطة تؤدي إلى سعادة الإنسان، أو تؤدي إلى شقائه، فالمكان الذي يوجد فيه الماء تزدهر فيه الحياة، والمكان الذي ينعدم فيه الماء تنعدم فيه مظاهر الحياة والأحياء، وقد وضح الخالق - عز وجل - أهمية الماء لحياة الكائنات على وجه الأرض في قوله تعالى «وَجَعَلنَا مِنَ المَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُوْنَ»[1].
الماء عصب الحياة وأساس بقاء الكائنات والمخلوقات على وجه الأرض، وقد شاءت إرادة الله - سبحانه وتعالى - أن يكون الماء كالهواء وفرة ورخصاً في كثير من بقاع الأرض، وفي أماكن أخرى جعله عزيز المنال فادح الثمن، ولكن بعض الخبراء يعتقدون بأن الماء العذب لو وزع بالتساوي بين سكان العالم لكان ذلك كافياً من الناحية النظرية، إلا أن معظم الماء العذب يأخذ طريقه إلى البحر دون الاستفادة منه، كما أن كثيراً منه يناله التلوث بمختلف أشكاله مما يجعل الاستفادة منه محدودة.

تعريف تلوث الماء
يعرف العلماء تلوث الماء بأنه «التغير في الصفات الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية بما يؤثر سلباً على حياة الكائنات التي تعيش في هذا الماء أو الكائنات المستخدمة للماء»[2] ويتضح لنا من خلال هذا التعريف أن أنواع التلوث المائي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:
     1- التلوث الطبيعي: وهو الذي يغير أهم الخواص الفيزيائية للماء من ( الحرارة - اللون الطعم – العكورة - الرائحة)
     2- التلوث الكيميائي: وهو الذي يكون نتيجة اختلاط الماء بمواد كيميائية خطيرة مثل (مركبات الرصاص أو الزئبق أو المبيدات الحشرية).
     3- التلوث الحيوي والبيولوجي: وهو يعني وجود ميكروبات مسببة للأمراض بالمياه أو طفليات كالبلهارسيا أو جود أحياء نباتية كالطحالب بكميات كبيرة تتسبب في تغير طبيعة الحياة ونوعيتها، وتؤثر في سلامة استخدامها.

سبق القران الكريم في التنبيه على أهمية الماء وضرورة الحفاظ عليه.
سبق القران الكريم الدعوات والقوانين المحلية والدولية التي تدعوا الى ضرورة الحفاظ على الماء من التلوث وعدم الإسراف في استخدامات الماء.

إذا أنعمنا النظر في آيات القران الكريم نجد أن الماء ورد ذكره في العديد من آيات القرآن التي جاءت تذكر بهذه النعمة الغالية وتدعو الإنسان إلى الحفاظ عليها وذلك على النحو الآتي:


1- التذكير بأهمية البحار والأنهار للحياة الإنسانية:
     لقد وضع الخالق - عز وجل - تحت سيطرة الإنسان البحار والأنهار للانتفاع بها وبما تحتوي عليه من خيرات وثروات، وقد أعلن الخالق - عز وجل- ذلك في العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي جاءت تذكر بهذه النعمة وتدعو للحفاظ عليها، فبالنسبة للبيئة البحرية، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [3] وقال تعالى  ﴿اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[4] 
أما بالنسبة للأنهار لقد وضح الخالق - عز وجل- أهمية الأنهار لحياة الإنسان على الأرض في العديد من الآيات الكريمة، قال تعالى: ﴿أَمَّنَ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أنهارًا﴾ [5]، كما يذكر الخالق - عز وجل - بتسخير الأنهار للإنسان في قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم الأَنهارَ﴾ [6] كما يوضح الخالق عز وجل أهمية الماء لحياة الإنسان والحيوان والنبات فوجودهم مرتبط بوجود الماء قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَآءِ مِنْ مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [7] ويقول - جل شأنه- ﴿وَهُوَ الَّذِيٓ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾[8]   ويقول سبحانه: ﴿وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْـمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[9]  ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾[10].
 ثم يذكر الخالق - عز وجل-: أن الماء نعمة لعباده مما يوجب الشكر على هذه  النعمة الغالية؛ قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْـمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنٰهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾[11].

2- الحفاظ على الماء وحمايته من التلوث:
     كما حث الخالق - عز وجل - على الحفاظ على البيئة المائية وحمايتها من التلوث وكل ما يغير من طبيعتها وصلاحيتها للاستخدام المعدة له أصلاً حتى يظل الماء نقياً نظيفاً كما أنزله الخالق - عز وجل- تستلذ به الحواس  وتستمتع به النفوس خالياً من كل ما يؤذي أو يضر بالإنسان أو الحيوان أو النبات، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْـمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنٰهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾  كما يوضح الخالق - عز وجل -: أن الماء المنزل من السماء ذو طبيعة خاصة فهو «ثج» أي ينساب وينهمر وهو ما يعني الصفاء والنقاء، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْـمُعْصِرَاتِ مَآءً  ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنّٰتٍ أَلْفَافًا﴾[12]  وقوله تعالى ﴿وَأسْقَيْنَاكُمْ مَّآءً فُرَاتاً﴾[13] أي ماءً عذباً زلالاً نازلاً من السحاب أو مما ينبع من عيون الأرض، ويقول المولى - عز وجل-: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُبَارَكاً﴾[14] أي ماء فيه الخير وفيه النماء وفيه المحافظة على نفوس البشر من الاعتلال والإصابة بالأمراض الخطيرة التي تعوق مسيرتهم الحياتية وتوقف أعمارهم للأرض، كما أراد الله من خلقهم، كما نبه الخالق - عز وجل - أن أي إفساد في البيئة على وجه العموم وبيئة الماء على وجه الخصوص إنما من كسب البشر وتدخلهم السيئ الذي أفسد البيئة وأخل بأساسها المتوازن، قال تعالى: ﴿وَاشْرَبُوا مِنْ رِّزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [15] وقال جل وعلا ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾[16]

3- مقاومة الإسراف في استخدام الماء:
     لقد أباح الخالق - عز وجل- لعباده التمتع بالطبيات أكلاً وشرباً ولبساً وتزيناً، ولكنه لم يدع الأمر بغير قيود وضوابط بل قيد الإباحة بعد الإسراف، قال تعالى: ﴿يٰبَنِيٓ آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾[17] (الأعراف:31) ويعد استنزاف الموارد المائية والإسراف في استخدامها من أخطر القضايا البيئية؛ لأنه من الخطورة بمكان سوء استهلاك الماء والإسراف في استخدامه واعتباره مادة رخيصة الثمن مع ما له من قيمة لا يعرف قدرها إلا أولوا الألباب.

 الباحث / محمد احمد سليممعلم بالأزهر الشريف




[1] الأنبياء 30
[2]  المحافظة على البيئة في منظور الإسلام، د/ محمد عبد السلام أبوخزيم، سلسلة دراسات إسلامية العدد 184 ص 27 .
[3] النحل  14
[4] الجاثية  12
[5] النحل  10
[6] ابراهيم  32
[7] البقرة  164
[8] الانعام  99
[9] الحج  5
[10] الفرقان 48-49
[11] الواقعة  68-70
[12] النبا   14- 16
[13] المرسلات  27
[14] ق  9
[15] البقرة  60
[16] الروم  41
[17] الأعراف  31

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...