الأحد، 18 ديسمبر 2016

استراتيجية الماء في الحروب في السنة النبوية

استراتيجية الماء في الحروب
وذلك في إقراره صلى الله عليه وسلم لرأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر الكبرى

يحرص القادة العسكريون وخبراء الإستراتيجية الحربية على تأمين قواتهم العسكرية والأخذ بزمام المبادأة في تحقيق المزايا الميدانية لهذه القوات , ومما يدخل في هذا الإطار تأمين خطوط الاتصال والإمداد بأنواعها , ويعتبر الماء من أهم المؤن فبدونه تهلك القوات المقاتلة وخاصة في العصور القديمة.

مثال من السنة النبوية
نجد في السنة أن أول صدام عسكري للمسلمين ضد قوى الشرك والوثنية في معركة بدر الكبرى – وجد المسلمون أنفسهم قد فرض عليهم القتال فتوجه الرسول القائد (صلى الله عليه وسلم) إلى أصحابه لأخذ الرأي والمشورة , وجاء الحباب من المنذر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه , أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال بل الرأي والحرب والمكيدة قال: يا رسول الله .. فإن هذا ليس بمنزل , أمض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فنعسكر فيه ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء , ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقد أشرت بالرأي , ثم أمر بإنفاذه , فلم يجئ نصف الليل حتى تحولوا كما رأى الحباب وامتلكوا مواقع الماء. [1]

السبق النبوي في تلك الواقعة

1- اعتبار الماء من مقومات الحياة الأساسية التي لا غنى عنها خاصة وقت الحرب

2- في هذا الهدى النبوي العسكري من ضمان المزية الإستراتيجية وتعويض النقص الشديد الذي كان يعانيه المسلمون في العدد والعتاد في هذه المعركة المصيرية الفاصلة والتي وصفها القرآن بيوم الفرقان "يوم التقى الجمعان".

3- السنة النبوية المطهرة تسبق العلوم العسكرية الحديثة والخطط الإستراتيجية الحربية في وقت الحرب.


وصايا السنة النبوية في الحفاظ على الماء ومظاهر الحياة أثناء الغزو

إذا كانت الصدامات العسكرية بين الجيوش تتيح التمويه والخداع والمبادرة بكسب المواقع الإستراتيجية وإحراز المزايا الميدانية ، فقد حرصت السنة النبوية في نفس الوقت على فرض المبادئ والقيم الإنسانية خلال الغزو الوقائي وأثناء التعامل مع المدنيين وشددت التوجيهات النبوية الكريمة في هذا المجال ودعت إلى عدم المساس بالحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية ومصادرها , ولا نعجب إذ وصفت الحروب الإسلامية من قبل كثير من المؤرخين في الشرق والغرب بأنها الحروب الرحيمة ، تعبيرا عن التزام الجيوش الإسلامية وقادتها بهدى القرآن الكريم وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفلسفة الحروب وأهدافها في الإسلام – وهي في الأساس حروب دفاعية ومن ثم ، فليس من غاياتها على الإطلاق القتل أو التخريب أو التنكيل العشوائي.
وقد أفاض علماء المسلمين ومؤرخوهم في بسط هذا الهدى الإسلامي الكريم في باب الجهاد والحرب وأوردوا في ذلك أمثلة ومواقف كثيرة من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ووصاياه وأيضا ما أثر عن السلف الصالح من توجيهات تتمثل رحمة الإسلام وتعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أرسل رحمة للعالمين "وإذا كان الإسلام أباح الحرب كضرورة من الضرورات , فإنه يجعلها مقدرة بقدرها , فلا يقاتل إلا المقاتلين في المعركة , أما من تجنب الحرب فلا يحل قتله أو التعرض له بحال , وحرم الإسلام كذلك قتل النساء والأطفال والمرضى والشيوخ والرهبان والعباد والأجراء في الأراضي الزراعية وغيرها , وحرم المثلة , بل حرم قتل الحيوان وإفساد الزروع , والمياه وتلويث الآبار وهدم البيوت , وحرم الإجهاز على الجريح , وتتبع الفارين.
وفي ذلك روى سليمان بن بريه عن أبيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان إذا أمرً أميرا على جيش أو سرية ، أوصاه في خاصته بتقوى الله , وبمن معه من المسلمين خيرا , ثم قال: أغزوا باسم الله , في سبيل قاتلوا من كفر بالله ، أغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا , ولا تقتلوا وليدا".
وقال عمران بن حصين كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة وفي وصية أبى بكر (رضي الله عنه) لأسامة حين بعثه إلى الشام: "لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرا مثمرا ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة وسوف تمرون بقوم قد فرغوا أنفسهم في الصوامع (عباد ورهبان) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
وكذلك فعل سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) , فقد جاء في كتاب له: "لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا واتقوا الله في الفلاحين" وكان من وصاياه لأمراء الجنود: "لا تقتلوا هرما , ولا امرأة , ولا وليدا واتقوا قتلهم إذا التقى الزحفان , وعند شن الغارات." [2]
وتتجلى عظمة الوصايا النبوية في الآتي

1- صيانة موارد ومظاهر الحياة من زروع ومياه وأنعام بكل أنواعها وتأمينها تحت كل الظروف والأحوال ، خاصة في ظروف الحرب حتى لو كانت تقع في أرض العدو.

2- تعظيم الإسلام للحياة وتقديسها لأن صلاح الدين من صلاح الحياة ولأن الدنيا هي مزرعة الآخرة

3- حرص الإسلام البالغ ورحمته السابغة على الأحياء والمدنيين والأبرياء وخاصة النساء والأطفال والشيوخ


هذه المبادئ والقيم من شأنها أن تدعم السلام وترسخ الأمن اللازمين للحياة وتقلل من النزاعات والحروب وتجعلها في أضيق نطاق ممكن وهو الدفاع والحماية عن الأوطان والأعراض والأديان وبالتالي فمبادئ الإسلام وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا المجال إنما هي إثراء للحياة وصيانة للموارد وحفاظ على البيئة ومقوماتها



[1] - فقه السيرة
 محمد الغزالى - دار الريان للتراث - الطبعة الأولى - 1407هـ -1987م - القاهرة ص 241
1- فقه السنة - السيد سابق -المجلد الثالث : ص 164

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...