الأحد، 18 ديسمبر 2016

أمواج تحت المحيط تشهد على صدق القرآن

أمواج تحت المحيط تشهد على صدق القرآن
وذلك في قوله تعالى ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [1]

تتضمن هذه الآية الكريمة وصفاً للظواهر الطبيعية في البحار، وهي على وضوحها هذا إلا أن المفسرين القدامى  وجدوا صعوبة في تفسيرها بصورة مفصلة؛ لأن معرفة هذه الظواهر معرفة تامة كانت مجهولة وقت نزول القرآن الكريم.

من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة:

يقول ابن جرير الطبري: "وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفار في أنها عملت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمّالها فيها وعلى غير هدى مثل ظلمات في بحر لجي، ونسب البحر إلى اللجة وصفاً له بأنه عميق كثير الماء، ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾ يقول: يغشى البحر موج.

﴿مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾ يقول: من فوق الموج موج آخر يغشاه.

﴿مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ يقول: من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأول سحاب، فجعل الظلمات مثلاً لأعمالهم.
والبحر اللجي مثلاً لقلب الكافر، يقول: عمل بنية قلب قد غمره الجهل وتغشته الضلالة والحيرة كما يغشى هذا البحر اللجي موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات يغشاه الجهل بالله ختم عليه فلا يعقل عن الله، وعلى سمعه فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله، فتلك الظلمات بعضها فوق بعض"[2].

ويقول الشوكاني: "﴿فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ﴾ اللجة معظم الماء، والجمع لجج وهو الذي لا يدرك لعمقه، ثم وصف سبحانه هذا البحر بصفة أخرى فقال: ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾ أي يعلو هذا البحر موج فيستره ويغطيه بالكلية ثم وصف هذا الموج بقوله: ﴿مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ أي من فوق ذلك الموج الثاني سحاب"[3].


وجاء في تفسير الجلالين: "﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ﴾عميق، ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ﴾ أي الموج ﴿مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ﴾ أي الموج الثاني ﴿سَحَابٌ﴾ أي غيم، هذه ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الثاني وظلمة السحاب ﴿إِذَا أَخْرَجَ﴾ الناظر ﴿يَدَهُ﴾ في هذه الظلمات ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ أي لم يقرب من رؤيتها"


تطور دراسات علوم البحار

لم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة ناهيك عن معرفة البحار العميقة والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكان الإنسان الغوص في هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين متراً ولثواني معدودة ليعاود التنفس من الهواء الجوي، وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس للغواصين لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين متراً نظراً لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص مع زيادة العمق والذي يعادل عند عمق ثلاثين متراً أربعة أضعاف الضغط الجوي على سطح الأرض.

وعندئذٍ يذوب غاز النتروجين في دم الغواص ويؤثر على عمل مخه فيفقده السيطرة على حركاته(13)، ويصاب الغواصون نتيجة لذلك بأمراض تعرف في الطب بأمراض الغواصين، أما إذا نزل الغواص إلى أعماق بعيدة فإن ضغط الماء يكفي لهرس جسمه. وبالرغم من أن القدماء عرفوا أن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعب عليهم أن يعرفوا شيئاً عن الحركات الداخلية في المياه.

ولم تبدأ الدراسة المتصلة بعلوم البحار وأعماقها على وجه التحديد إلا في بداية القرن الثامن عشر، عندما توفرت الأجهزة الضرورية لمثل هذه الدراسات المفصلة.[4]


الدلالة العلمية للآية الكريمة:

تشير هذه الآية الكريمة إلى الظلمة التامة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات، مؤكدة أنها ظلمة مركبة، يلعب كل من السحب، والأمواج السطحية، والأمواج الداخلية دوراً أساسياً في إحداثها، وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في مطلع القرن العشرين. ولما كانت الشمس هي مصدر الحرارة والضوء على سطح الأرض وعلى أسطح غيرها من أجرام المجموعة الشمسية، كان لزاماً علينا الرجوع إلى المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس للتعرف على الحواجز التي يمكن أن تعترض أشعة الشمس في طريق وصولها إلى الأرض ومن أهمها الغلاف الغازي للأرض، خاصة جزءه السفلي وما به من سحب.


أسباب الظلمات الثلاث

الظلمة الأولى: تسببها السحب:
تتكون الأشعة الصادرة من الشمس من كل الموجات الكهرومغناطيسية ابتداءاً من الأشعة الراديوية إلى الأشعة السينية، إلا أن الغالب عليها هو الضوء المرئي وكل من الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى بعض الجسيمات الأولية المتسارعة مثل الإلكترونات، وأغلب الأشعة فوق البنفسجية يردها إلى الخارج نطاق الأوزون. وعند وصول بقية أشعة الشمس إلى الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فإن السحب تعكس وتشتت نحو30% منها، وتمتص السحب وما بها من بخار الماء وجزيئات الهواء وهباءات الغبار وغيرها من نوى التكثيف الأخرى حوالي19% من تلك الأشعة الشمسية المارة من خلالها، ومن هنا نعلم أن السحب تحجب بالانعكاس والتشتيت والامتصاص حوالي49% من أشعة الشمس، فتحدث قدراً من الظلمة النسبية.[5]

الظلمة الثانية:وتسببها الأمواج السطحية في البحار والمحيطات.
عند وصول ما تبقى من أشعة الشمس إلى أسطح البحار والمحيطات فإن حوالي35% من الأشعة تحت الحمراء فيها تستهلك في تبخير الماء، وتكوين السحب، وفي عمليات التمثيل الضوئي، التي تقوم بها النباتات البحرية.

أما ما يصل إلى سطح البحار والمحيطات مما تبقي من الأشعة المرئية(أو الضوء الأبيض) فإن الأمواج السطحية للبحار تعكس5% أخرى منها، فتحدث قدراً أخر من الظلمة النسبية في البحار والمحيطات.

الظلمة الثالثة: وتسببها الأمواج الداخلية فوق قيعان البحار والمحيطات.
بالإضافة إلى تحلل الضوء الأبيض عند مروره في ماء البحار والمحيطات فإن السبب الرئيسي في إحداث الإظلام التام فوق قيعان البحار اللجية (أي الغزيرة الماء لعمقها حتى لا يكاد يدرك لها قاع) هي الأمواج الداخلية في تلك البحار العميقة وغير المتجانسة. وتتكون هذه الأمواج الداخلية بين كتل الماء ذات الكثافات المختلفة، وتختلف كثافة الماء في البحار العميقة والمحيطات باختلاف كل من درجة حرارته، ونسبة الأملاح المذابة فيه، وتتمايز كتل الماء في تلك المسطحات المائية الكبيرة أفقياً بتمايز مناطقها المناخية، ورأسياً بتمايز كثافتها. وتتحرك التيارات المائية أفقياً بين مساحات شاسعة من خطوط العرض فتكتسب صفات طبيعية جديدة من درجات الحرارة والملوحة بسبب تغير معدلات التسخين أو التبريد، ومعدلات البخر أو سقوط الأمطار، مما يضطرها إلى التحرك رأسياً كذلك.

ويتمايز الماء في البحار العميقة والمحيطات إلى كتل سطحية، وكتل متوسطة، وكتل شبه قطبية، وكتل حول قطبية ولا يتمايز الماء إلى تلك الكتل إلا في البحار شديدة العمق، ومن هنا فإن الأمواج الداخلية لا تتكون إلا في مثل تلك البحار العميقة، ومن هنا أيضاً كان التحديد القرآني بالوصف (بحر لجي) إعجازاً غير مسبوق. وتتكون الأمواج الداخلية عند الحدود الفاصلة بين كل كتلتين مائيتين مختلفتين في الكثافة، وهي أمواج ذات أطوال وارتفاعات تفوق أطوال وارتفاعات الأمواج السطحية بمعدلات كبيرة، حيث تتراوح أطوالها بين عشرات ومئات الكيلومترات، وتصل سعتها(أي ارتفاع الموجة) إلى مائتي متر، وتتحرك بسرعات تتراوح بين100،5 سنتيمتر في الثانية لمدد تتراوح بين أربع دقائق وخمس وعشرين ساعة. وعلى الرغم من ذلك فهي أمواج لا يمكن رؤيتها بطريقة مباشرة، وإن أمكن إدراك حركتها بأجهزة ميكانيكية، وذلك بواسطة عدد من القياسات للاضطرابات التي تحدثها تلك الأمواج الداخلية، وهذا أيضاً مما يجعل الإشارة القرآنية إليها إعجازاً لا ينكره إلا جاحد [6].

كذلك يبدأ تكون الأمواج الداخلية على عمق40 متراً تقريباً من مستوى سطح الماء في المحيطات، حيث تبدأ صفات الماء فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها، وقد تتكرر على أعماق أخرى كلما تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة، وعجز الإنسان في زمن الوحي ولقرون متطاولة من بعده عن الغوص إلى هذا العمق الذي يحتاج إلى أجهزة مساعدة خاصة مما يقطع بإعجاز علمي في هذه الآية الكريمة بإشارتها إلى تلك الأمواج الداخلية، وهي أمواج لم يدركها الإنسان إلا في مطلع القرن العشرين (سنة1904م).

ومن فوق هذه الأمواج الداخلية تأتي الأمواج السطحية وما يصاحبها من العواصف البحرية والتي يحركها كل من الرياح والجاذبية والهزات الأرضية، ودوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، وحركات المد والجزر الناتجة عن جاذبية كل من الشمس والقمر، وغير ذلك من العوامل المعروفة وغير المعروفة، وهذه الأمواج السطحية هي أحد العوائق أمام مرور كل أشعة الشمس الساقطة على أسطح البحار والمحيطات، في مائها والوصول إلى أعماقها، ولذلك فهي أحد أسباب ظلمة تلك الأعماق، بالإضافة إلى تحلل تلك الأشعة إلى أطيافها وامتصاصها بالتدريج في الماء.

ومن فوق هذه الأمواج السطحية تأتي السحب التي تمتص وتشتت وترد إلى صفحة السماء حوالي49% من مجموع أشعة الشمس الواصلة إلى نطاق التغييرات المناخية فتحدث قدراً من الظلمة النسبية التي تحتاجها الحياة على سطح الأرض.


من جوانب السبق العلمي في هذه الآية الكريمة

1- الآية الكريمة جاءت في مقام التشبيه‏,‏ ولكنها علي الرغم من ذلك جاءت في صياغة علمية دقيقة غاية الدقة‏,‏ ومحكمة غاية الإحكام شأن كل الآيات القرآنية‏,‏ونزلت هذه الآية الكريمة في زمن لم يكن لأحد من الناس إلمام بتلك الحقائق العلمية ولا بطرف منها‏,‏ وظلت أجيال الناس جاهلة بها لقرون متطاولة بعد زمن الوحي حتي تم الإلمام بشيء منها في مطلع القرن العشرين‏


2- من أوضح جوانب الإعجاز العلمي‏(‏ أي‏:‏ السبق العلمي‏)‏ في هذه الآية الكريمة هو تلك الإشارة المبهرة إلي الأمواج الداخلية‏ وهي أمواج لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أبدا‏,‏ ولكن يمكن إدراكها بعدد من القياسات غير المباشرة‏.‏


3- الإشارة إلي الحقيقة المعنوية الكبرى التي تصفها الآية بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):..‏ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏.‏
ثم تفاجئنا البحوث العلمية أخيرا بواقع مادي ملموس لتلك الحقيقة بالإضافة إلي مضمونها المعنوي الجميل‏,‏ فقد كان العلماء إلي عهد قريب جدا لايتصورون إمكانية وجود حياة في أغوار المحيطات العميقة‏,‏ أولا للظلمة التامة فيها‏,‏ وثانيا للبرودة الشديدة لمائها‏,‏ وثالثا للضغوط الهائلة الواقعة عليها‏(‏ وزن عمود الماء بسمك يصل إلي أربعة كيلومترات في المتوسط‏),‏ ورابعا للملوحة المرتفعة أحيانا لذلك الماء‏,‏ ولكن بعد تطوير غواصات خاصة لدراسة تلك الأعماق فوجئ دارسو الأحياء البحرية بوجود بلايين الكائنات الحية التي تنتشر في تلك الظلمة الحالكة وقد زودها خالقها بوسائل إنارة ذاتية في صميم بنائها الجسدي تعرف باسم الإنارة الحيوية‏.


4- أثبت الاية وجود ظلمات في البحر العميق، وقيد وصف البحر بلفظ (لجي) ليعلم قارئ القرآن أن هذه الظلمات لا تكون إلا في بحر لجي أي عميق، ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ ويخرج بهذا القيد البحر السطحي الذي لا توجد فيه هذه الظلمات.


5- ذكرت الآية أن للبحر العميق موجاً يغشاه من أعلاه، قال تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ...﴾، وذكرت الآية وجود موج آخر فوق الموج الأول قال تعالى: ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ...﴾، وهذه صفة للبحر وهي: وجود موجين في وقت واحد أحدهما فوق الآخر، وليست أمواجاً متتابعة على مكان واحد بل هي موجودة في وقت واحد، والموج الثاني فوق الموج الأول، وتشير الآية إلى أن فوقية الموج الثاني على الموج الأول كفوقية السحاب على الموج الثاني، قال تعالى: ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ...﴾، فذكرت الآية وجود موج يغشى البحر العميق ويغطيه كما ذكرت وجود موج ثان فوق الموج الأول، وهذا يستلزم وجود بحر فوق (الموج الأول والبحر العميق) وهو البحر السطحي الذي يغشاه الموج الثاني الذي فوقه السحاب


6- اشتملت الآية على ذكر ظلمات الأعماق (السبعة) في أولها وظلمات الحوائل (الثلاثة) في آخرها ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ...﴾، وذكرت الآية أن هذه الظلمات التي سبق ذكرها بسبب الأعماق أو الحوائل بعضها فوق بعض، واستعمل القرآن لفظ ظلمات الذي تستعمله العرب للدلالة على جمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فقبلها تقول ظلمة وظلمتان، وبعدها تقول إحدى عشرة ظلمة، ومن ثلاث إلى عشر تقول ظلمات كما هي في الآية، وهذا ما كشفه العلم كما سبق بيانه: سبع ظلمات للألوان متعلقة بالأعماق وثلاث ظلمات متعلقة بالحوائل (الموج الداخلي، والموج السطحي، والسحاب)

7- بينت الآية التدرج في اشتداد الظلام في البحار العميقة باستعمال فعل من أفعال المقاربة وهو (كاد) وجعلته منفياً، قال تعالى: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾، فدل هذا الاستعمال الدقيق على معنيين:

الأول: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لا يراها إلا بصعوبة بالغة، كما فهم ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير حيث قال: "﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام"، وكذلك القرطبي ونقله عن المبرد[7].

الثاني: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لا يراها البتة، لأن فعل المقاربة كاد جاء منفياً، فإذا نفيت مقاربة الرؤية دلت على تمام نفي الرؤية، وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، والآية استعملت تعبيراً يدل على المعنيين معاً، فتكون الرؤية بصعوبة في الأعماق القريبة، وتنتفي الرؤية تماماً في الأعماق البعيدة على عمق 1000متر تقريباً كما مر بنا. فتأمل كيف جاء التعبير القرآني الموجز دالاً على المعاني الصحيحة المتعددة[8].


وما سبق من المعلومات لم يكتشفه الإنسان إلا بعد أن ابتكر أجهزة للبحث العلمي تمكنه من الوصول إلى هذه الأعماق، ودراسة هذه الظواهر، وبعد أن استغرق البحث فترة طويلة امتدت لثلاثة قرون من الزمن، واحتشد لها مئات الباحثين والدارسين حتى تمكنوا من معرفة تلك الحقائق. فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأسرار في أعماق البحار في وقتٍ كانت وسائل البحث العلمي فيه معدومة، والخرافة والأسطورة هي الغالبة على سكان الأرض في ذلك الزمان، وبخاصة في مجال البحار؟، وكيف جاءه هذا العلم الدقيق بهذه الأسرار، وهو الرجل الأمي في أمة أمية وبيئة صحراوية، ولم يتيسر له ركوب البحر طوال حياته.


فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم‏,‏ أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه لنا بلغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ حفظا كاملا بكل حرف‏,‏ وكل كلمة‏,‏ وكل آية وكل سورة‏,‏ فجاء ذلك كله معجزا غاية الإعجاز.

الباحث / محمد احمد سليممعلم بالأزهر الشريف




[1] النور 40
 [2]تفسير ابن جرير الطبري 9/ 335
[3]  فتح القدير للشوكاني 4/ 58.
[4] علم الإيمان، للشيخ عبد المجيد الزنداني، 2/ 313.
[5] بحث للدكتور زغلول النجار في هذه الآية الكريمة، نقلاً عن:

http://www.nooran.org/E/8.htm
[6]  بحث للدكتور زغلول النجار في هذه الآية الكريمة، نقلاً عن:

http://www.nooran.org/E/8.htm
[7]  تفسير ابن كثير 3/ 395.
[8]  علم الإيمان، للشيخ عبد المجيد الزنداني، 2/ 326

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...