الأحد، 18 ديسمبر 2016

دورة الماء في القران الكريم ( حقائق وإعجاز )

: دورة الماء في القران الكريم ( حقائق وإعجاز )
الإعجاز العلمي في سبع آيات قرآنية تصف دورة الماء حول الأرض

تحدث القران الكريم عن جميع الحقائق المتعلقة بدورة الماء ونزول المطر بشكل دقيق يتفق مع أحدث الحقائق العلمية.
تعالوا لنرى كيف يحرك الله (تعالى) دورة الماء, وماذا سخر من اجل ذلك.

1-   الإشارة إلى أهمية الشمس في تبخير الماء وتشكيل الرياح.
وذلك في قوله تعالى (وجعلنا سراجا وهاجا)[1].

تفاسير الاية الكريمة من كتب التفسير.
يقول بن كثير رحمه الله (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا)
يَعْنِي الشَّمْس الْمُنِيرَة عَلَى جَمِيع الْعَالِم الَّتِي يَتَوَهَّج ضَوْءُهَا لِأَهْلِ الْأَرْض كُلّهمْ.[2]

ويقول الطبري في تفسيره: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس وقوله: (وَهَّاجًا) يعني: وقادا مضيئا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول: مضيئا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول: سراجا منيرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: يتلألأ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: الوهاج: المنير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: يتلألأ ضوءه )[3]

وفي تفسير بن عاشور: ذِكرُ السماوات يناسبه ذكر أعظم ما يشاهده الناس في فضائها وذلك الشمس ، ففي ذلك مع العبرة بخلقها عبرة في كونها على تلك الصفة ومنّة على الناس باستفادتهم من نورها فوائد جمة .
والسراج : حقيقته المصباح الذي يستضاء به وهو إناء يجعل فيه زيت وفي الزيت خرقة مفتولة تسمى الذُّبَالة تُشْعل بنار فتضيء ما دام فيها بلل الزيت .
والكلامُ على التشبيهِ البليغ والغرض من التشبيه تقريب صفة المشبّه إلى الأذهان كما تقدم في سورة نوح .
وزيد ذلك التقريب بوصف السراج بالوهّاج ، أي الشديد السَّنا .
والوهاج : أصله الشديد الوَهج ( بفتح الواو وفتح الهاء ، ويقال : بفتح الواو وسكون الهاء ) وهو الاتقاد يقَال : وَهَجَت النار إذا اضطرمت اضطراماً شديداً .
ويطلق الوهاج على المتلألئ المضيء وهو المراد هنا لأن وصف وهاج أُجريَ على سراج ، أي سراجاً شديد الإِضاءة ، ولا يقال : سراج ملتهب . )[4]

وفي  التفسير الوسيط لطنطاوي : قوله - سبحانه - ( وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ) نعمة أخرى من نعمه الدالة على قدرته .
والمراد بالسراج الوهاج : الشمس ، وصفت بكونها سراجا ، لأنها كالمصباح فى إضاءته لما حوله . ووصف السراج بأنه وهاج ، مبالغة فى شدة ضيائه ولمعانه ، من الوهج - يفتح الواو والهاء - بمعنى شدة الضياء . .
والكلام على التشبيه البليغ ، والمقصود منه تقريب صفة المشبه إلى الأذهان ، وإلا فالشمس أعظم من كل سراج .
أى : وأنشأنا وأوجدنا - بقدرتنا ومنتنا - فى السماء ، سراجا زاهرا مضيئا . . هو الشمس المتوهجة من شدة حرارتها وضيائها ، والتى تشرق على هذا الكون فتحول ظلامه إلى نور ، بقدرته - تعالى - )[5].

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

          تنتج طاقة النجوم سراجها نتيجة لإحتراق الهيدروجين وهو المكون الأساسي لها وتحوله إلى هليوم في باطن النجوم حيث الكثافة والضغط العالي والحرارة التي تصل إلى 15 مليون درجة كما يحدث فى شمسنا وقد تزيد فى نجوم أخرى حيث يؤدى هذا إلى حدوث تفاعل نووي وإندماج أربع ذرات هيدروجين لإعطاء ذرة هليوم واحدة ويكون فرق الكتلة ما بين المواد الداخلة فى التفاعل والناتجه من التفاعل يشع على هيئه طاقة كهرومغناطيسية كالأطول الموجبة القصيرة ( أشعة جاما وأشعة أكس ) والتي تختار طريقها إلى سطح النجم أو الشمس ، هذه الأشعة قصيرة الموجة تصاحبها أشعة مرئية عند وصولها لسطح والشمس وتشع منه في الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية وهذا يعنى أن الشمس تستمد طاقتها من باطنها وسراجها (وقودها) هو عبارة عن اندماج نووي طبيعي تحت ظروف عاليه الضغط والكثافة والحرارة فى باطنها . وكأن الشمس ما هي إلا مفاعل نووي عملاق سخره الحق تبارك وتعالى لمخلوقاته في الأرض ليمدهم بالنور والدفء والطاقة , سابحة بسرعتها الكبيرة التي تصل إلى 220 كم/ساعة وتدور الأرض منجذبة حولها  بسرعة عالية جدا تقارب 30كم/ث)[6].

2-   الإشارة إلى أهمية الرياح فهي المحرك الثاني لدورة الماء
وقد تحدث عنها القران في قول الحق:( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾[7]


تفاسير الاية الكريمة من كتب التفسير.
يقول بن كثير في تفسيره وقوله : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) أي : تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها .
هذه " الرياح " ذكرها بصيغة الجمع ؛ ليكون منها الإنتاج ، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ، ووصفها بالعقيم ، وهو عدم الإنتاج ; لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعدا .
وقال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : ترسل الرياح ، فتحمل الماء من السماء ، ثم تمرى السحاب ، حتى تدر كما تدر اللقحة .
وكذا قال ابن عباس ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة .
وقال الضحاك : يبعثها الله على السحاب ، فتلقحه ، فيمتلئ ماء .
وقال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثم تلا ( وأرسلنا الرياح لواقح )
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون ، عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الريح الجنوب من الجنة ، وهي [ الريح اللواقح ، وهي التي ] ذكر الله في كتابه ، وفيها منافع للناس " وهذا إسناد ضعيف .
وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده : حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني يزيد بن جعدبة الليثي : أنه سمع عبد الله بن مخراق ، يحدث عن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين ، وإن من دونها بابا مغلقا ، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب ، ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء ، وهي عند الله الأزيب ، وهي فيكم الجنوب "
وقوله : ( فأسقيناكموه ) أي : أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه ، ولو نشاء لجعلناه أجاجا . كما ينبه الله على ذلك في الآية الأخرى في سورة " الواقعة " وهو قوله : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) [ الواقعة : 68 - 70 ] وفي قوله : ( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ) [ النمل : 10 ]
وقوله : ( وما أنتم له بخازنين ) قال سفيان الثوري : بمانعين .
ويحتمل أن المراد : وما أنتم له بحافظين ، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ، ونجعله معينا وينابيع في الأرض ، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به ، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا ، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك ؛ ليبقى لهم في طول السنة ، يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم )[8].

وفي تفسير السعدي : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)
أي: وسخرنا الرياح، رياح الرحمة تلقح السحاب، كما يلقح الذكر الأنثى، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته، { وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } أي: لا قدرة لكم على خزنه وادخاره، ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الأرض رحمة بكم وإحسانا إليكم.)[9]

وفي  تفسير بن عاشور : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)
انتقال من الاستدلال بظواهر السماء وظواهر الأرض إلى الاستدلال بظواهر كرة الهواء الواقعة بين السماء والأرض، وذلك للاستدلال بفعل الرياح والمنة بما فيها من الفوائد.
والإرسال: مجاز في نقل الشيء من مكان إلى مكان . وهذا يدل على أن الرياح مستمرة الهبوب في الكرة الهوائية . وهي تظهر في مكان آتية إليه من مكان آخر وهكذا . . . .
و { لواقح } حال من { الرياح }. وقع هذا الحال إدماجاً لإفادة معنيين كما سيأتي عن مالك رحمه الله .
و { لواقح } صالحٌ لأن يكون جمع لاَقح وهي الناقة الحبلى . واستعمل هنا استعارة للريح المشتملة على الرطوبة التي تكون سبباً في نزول المطر ، كما استعمل في ضدها العقيم ضد اللاقح في قوله تعالى { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [10].
وصالح لأن يكون جمع مُلقح وهو الذي يجعل غيره لاقحاً ، أي الفحل إذا ألقح الناقة ، فإن فواعل يجيء جمعَ مُفعل مذكرٍ نادراً كقول الحارث أو ضرار النهشلي :
لبيك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيحُ الطوايح
روعي فيه جواز تأنيث المشبه به . وهي جمع الفحول لأن جمع ما لا يعقل يجوز تأنيثه .
ومعنى الإلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطراً على الأرض؛ وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تَنقُلَ إلى نَوْره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت ، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح . وهذا هو الإبّار . وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة . وبعضه يكتفي منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر .
ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العمليْن اللّذين تعملهما الرياح ، وقد فُسرت الآية بهما . واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر .
وروى أبو بكر بن العربي عن مالك أنه قال : قال الله تعالى { وأرسلنا الرياح لواقح } فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ولا أريد ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذٍ لم يكن فساداً لا خير فيه . ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت .
وفرع قوله { فأنزلنا من السماء ماء } على قوله { وأرسلنا الرياح }.
وقرأ حمزة { وأرسلنا الريح لواقح } بإفراد «الريح» وجمع «لواقح» على إرادة الجنس والجنس له عدة أفراد .
و { أسقيناكموه } بمعنى جعلناه لكم سقياً ، فالهمزة فيه للجعل . وكثر إطلاق أسقى بمعنى سقى .
واستعمل الخزن هنا في معنى الخزن في قوله آنفاً { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ سورة الحجر : 21 ] أي وما أنتم له بحافظين ومنشئين عندما تريدون)[11] .

وفي  تفسير البغوي : (وأرسلنا الرياح لواقح ) أي : حوامل ، لأنها تحمل الماء إلى السحاب ، وهو جمع لاقحة ، يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد .
قال ابن مسعود : يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمر به السحاب ، فيدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر .
وقال أبو عبيدة : أراد باللواقح الملاقح واحدتها ملقحة ، لأنها تلقح الأشجار .
قال عبيد بن عمير : يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما ، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر .
وقال أبو بكر بن عياش : لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه ، فالصبا تهيجه ، والشمال تجمعه ، والجنوب تذره ، والدبور تفرقه)[12] .

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

تعرف الرياح بأنها الهواء المتحرك بالنسبة لبقية الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏;‏ وهذا الغلاف الغازي أخرجه الله‏(‏ تعالي‏)‏ أصلا من داخل الأرض ولا يزال يخرجه عبر فوهات البراكين في أثناء ثوراتها‏,‏ وعندما أخرج هذا الغاز اختلط بالدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم‏,‏ وعن التفاعلات النووية داخل النجوم‏,‏ وعن انفجار بعض الأجرام السماوية فتكون الغلاف الغازي للأرض من خليط بعضه من الأرض والبعض الآخر من السماء ولذلك يصفه القرآن الكريم بالبينية التي يقول فيها‏: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق‏)[13]
والغلاف الغازي للأرض يمتد إلي عدة آلاف من الكيلو مترات في السمك وتقدر كتلته بنحو ستة آلاف مليون مليون طن‏,‏ ولكن بما أن‏99%‏ من كتلته تقع دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ أي دون مستوي الركود الطبقي المعروف في اللغة الإنجليزية باسم( Stratopause)
فإن دراسة حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏.‏
(1)‏ الرياح السطحية‏:‏ تمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه‏,‏ وهي من أهم العوامل في تشكيل سطح الأرض حيث تباشر عملية تآكل صخور ورسوبيات وتربة سطح الأرض‏,‏ وتوزيعها حيثما وجدت تلك المواد غير مغطاة بوقاء من النبات أو غيره فهي من أقوي عوامل التعرية خاصة في الصحاري والقفار‏,‏ وتأتي في المقام الثاني بعد الماء في أشكاله المختلفة كعامل رئيسي من عوامل تعرية الأرض‏.‏

والرياح السطحية إذ تعصف علي سطح الصحاري تحمل معها كميات كبيرة من فتات الصخور السائبة والمفروطة لآلاف الكيلو مترات في الاتجاه الأفقي‏,‏ وترتفع ببعضها من الدقائق الناعمة ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات‏.‏
كذلك فإن حركة هذه الرياح السطحية تضبط الظروف المناخية‏,‏ وذلك بتوزيع درجات كل من الحرارة والرطوبة علي سطح الأرض‏,‏ وهذه تلعب دورا مهما في توزيع مناطق الضغط المرتفع والمنخفض علي سطح الأرض‏,‏ ومن ثم حركة الرياح‏.‏

هذا بالإضافة إلي أن تكثف الرطوبة في الهواء يؤدي إلي تكون السحاب‏,‏ وانتشار نوي التكثف في السحاب يعين علي نمو قطيرات الماء المتكثفة إلي أحجام تفوق قدرة حمل الهواء لها فتسقط بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مطرا‏,‏ أو بردا‏,‏ أو ثلجا‏.‏ وهذه كلها تلعب دورا مهما في تجوية الصخور وتفتيتها‏.‏ وفي غمار ذلك كله لا يمكن نسيان دور الرياح في إثارة الأمواج البحرية وتياراتها‏,‏ وأثر ذلك في تآكل الصخور علي طول الشواطئ البحرية‏,‏ وفي استقبال ما يصل البحر من رواسب البر‏.‏
ودور الرياح السطحية في نقل ما تفكك وانفرط من الغطاء الصخري المكون لأديم الأرض كالرمل والغرين والغبار‏,‏ والتحرك به إلي مسافات بعيدة وإلي ارتفاعات شاهقة ثابت علميا‏,‏ ويبلغ ذلك مداه إذا ما تناهت الحبيبات دقة‏,‏ وجفت وتعرت أي لم يكن يحميها غطاء من نبات أو غيره‏,‏ وتتوقف المسافة التي يحمل إليها هذا الفتات أفقيا ورأسيا علي تضاريس موضعه الأصلي‏,‏ وحجم ووزن حبيباته‏,‏ وقوة الريح وعدد ساعات هبوبها‏,‏ واستمرارية ذلك‏.‏

والمواد المنقولة بواسطة الرياح إما أن تحمل معلقة بين طبقات الهواء إذا كانت خفيفة‏,‏ وإما أن تدفعها الرياح علي سطح الأرض‏,‏ وهي في انتقالها هذا يسبق خفيفها ثقيلها في الانتقال‏,‏ وبذلك تصنف مكوناتها‏,‏ وقد تتراكم في مجموعات علي أساس من كتلها وأحجامها‏,‏ وكثافتها‏,‏ وربما تركيبها المعدني‏.‏
وفي مقدور الرياح السطحية أن تحمل الغبار مرتفعة به ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات فوق كل من اليابسة والمساحات الشاسعة من الماء‏,‏ خاصة في المناطق الجافة الدافئة حيث يسخن الهواء بملامسته سطح الأرض فيتمدد‏,‏ وتقل كثافته حتي يرتفع إلي أعلي علي هيئة أعاصير‏(Whirls),‏ودوارات‏(Eddies)‏
حاملا معه دقائق الغبار في أعمدة طويلة تتحرك عبر السهول والوديان‏.‏

وكثيرا ما تشاهد عواصف الغبار وهي تظلم السماء في وضح النهار‏;‏ وتحيل الهواء إلي هبوب خانق‏,‏ وتحمل كميات هائلة من هذا الغبار إلي مسافات بعيدة‏,‏ ويشاهد ذلك علي وجه الخصوص في المساحات الصحراوية الجافة مثل الصحراء الكبري التي كثيرا ما تحمل عواصفها الغبار الأحمر لتسقطه علي بعد مئات من الكيلو مترات شمالا في كل من جزر الكناري‏,‏ وإيطاليا وألمانيا‏,‏ والمساحات المائية التي مرت بها‏,‏ والبواخر العابرة فيها‏.‏
وتتسبب عمليات تذرية الرياح للتربة في خفض مستوي سطح الأرض بصفة عامة لعدة عشرات من الملليمترات في كل قرن من الزمان‏,‏ وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يزال إلي عمق متر كامل من التربة الناعمة من مثل التربة الصلصالية والغرينية الجافة في سنوات قليلة‏,‏ وقد يتسبب ذلك في تكوين حفر أرضية يتراوح عمقها بين‏50,30‏ مترا‏,‏ وتصل مساحتها إلي عدة كيلو مترات مربعة‏.‏

ومن نتائج تعرية الرياح للصخور وتذرية ما تفكك منها تكون السهول الواسعة‏,‏ والأحواض المنخفضة خاصة في المناطق المكونة من صخور رخوة كالصلصال والطفال‏;‏ التي تستمر فيها عمليات التعرية حتي تنتهي عند مستوي الماء تحت سطح الأرض فيتوقف عمل الرياح لأنها لا تقوي علي حمل الفتات الصخري الرطب‏.‏
وقد هبت عاصفة هوائية لمدة أربع وعشرين ساعة علي أحد الأودية في كاليفورنيا
‏(SanJoaguinValley)‏
وذلك في‏1977/12/12‏ م كانت سرعتها في حدود‏300‏ كيلو متر في الساعة‏,‏ ويقدر ما حملته من غبار التربة العلوية في مساحة قدرها ألفان من الكيلو مترات المربعة بنحو مائة مليون طن‏.‏

والدقائق الخفيفة من الغريق والصلصال‏(‏ أقل من‏0.15‏ من الملليمتر‏)‏ وهباءات الرماد الناتج عن الحرائق‏,‏ وبعض حبوب اللقاح الدقيقة‏,‏ وفتات دقيق جدا من بعض حطام النباتات‏,‏ وبلورات متناهية الصغر في الحجم من أملاح البحر والمحيطات حملتها الأبخرة المتصاعدة منها‏,‏ ودقائق من الرماد البركاني‏,‏ وبعض الأبخرة والمواد المتطايرة‏,‏ وحتي بعض البكتيريا الدقيقة‏,‏ وبعض المركبات الكيميائية المتعددة‏,‏ كل ذلك إذا انتشر في جسم السحابة شكل نوي للتكثف يعين بخار الماء الموجود في السحابة علي مزيد من التكثف فوق قطيرات الماء أو بللورات الثلج المتكونة داخل السحابة‏,‏ حتي تصل كتلة قطرات الماء إلي الحد الذي لا يقوي الهواء علي حملها فتسقط بإرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ حيث يشاء مطرا أو بردا أو ثلجا أو خليطا من كل ذلك‏,‏ ومن هنا كان دور الرياح في تلقيح السحاب بنوي التكثف المختلفة‏.‏
ومن سنن الله‏(‏ تعالي‏)‏ المتحكمة في حركات الرياح السطحية الجاذبية الأرضية‏,‏ وقدر الاحتكاك بتضاريس سطح الأرض‏,‏ وتدرج معدلات الضغط الجوي وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بتوزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض‏.‏

وتظل هذه العوامل سائدة حتي ارتفاع‏65‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر حيث تبدأ عوامل أخري في التحكم بحركة الرياح‏.‏
وأعلي سرعة للرياح السطحية تحدث عند حدود نطاق الرجع(TheStratopause)‏
الذي يتراوح سمكه من‏7‏ ـ‏16‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏ تقسيم الرياح علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر

(2)‏ الرياح المتوسطة‏:‏ وتمتد من فوق الرياح السطحية‏(‏ أي من فوق الحدود العليا لنطاق الرجع‏)‏ إلي مستوي‏35‏ كيلو مترا فوق سطح البحر وهنا تستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية‏,‏ وقد تتدخل بعض العوامل الأخري وأهمها خلخلة الهواء‏.‏

3)‏ الرياح المرتفعة‏:‏ وتمتد في المستوي من‏35‏ كم إلي‏65‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية مع تدخل عدد من العوامل الأخري وأهمها قلة الضغط‏,‏ والجفاف الشديد‏

أما فوق مستوي‏65‏ كيلو مترا من سطح البحر فتبدأ سنن إلهية جديدة في التحكم بحركة الرياح وأهمها الكهربية الجوية‏,‏ والمغناطيسية‏,‏ وعمليات المد والجزر الهوائيين‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن تصريف الرياح بمشيئة الله تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة‏,‏ وأن إرسال الرياح بنوي التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب علي التكثف كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب علي مزيد من النمو حتي تصل إلي الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطرا أو ثلجا أو بردا بإذن الله‏,‏ كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي حيث يشاء‏,‏ وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق‏,‏ ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا النبي الخاتم الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فلم يكن لأحد من الخلق أدني إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلي السحاب حتي تعين علي تكثف هذا البخار فينزل بإرادة الله مطرا في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق‏:‏ (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين)[14]

3- الإشارة إلى تشكل الغيوم
وقد تحدث عنها القران في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[15]

أشار القران الكريم إلى ثلاثة أنواع من السحاب في ثلاثة آيات كريمات
النوع الأول:السحب الركامية في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[16]
النوع الثاني:السحب المبسوطة في قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [17].
النوع الثالث:المعصرات في قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً)[18]
هذا وسوف اقتصر في شرحي وتحليلي في تلك المرحلة على النوع الأول : السحب الركامية باعتبارها  أشهر أنواع السحب وأكثرها قوّة وتحمل في داخلها قوّة ديناميكيّة هوائيّة خارقة والتي أشار إليها الله (تعالى) في قوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[19]

تفاسير الاية الكريمة من كتب التفسير.
يقول بن كثير في تفسيره : (ذكر تعالى أنه يسوق السحاب بقدرته أول ما ينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء، { ثم يؤلف بينه} أي يجمعه بعد تفرقه، { ثم يجعله ركاما} أي متراكماً أي يركب بعضه بعضاً، { فترى الودق} أي المطر، { يخرج من خلاله} أي من خلله، وقوله: { وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قال بعض النحاة: { من} الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة لبيان الجنس، ومعناه أن في السماء جبال برد ينزل اللّه منها البرد، وأما من جعل الجبال هنا كناية عن السحاب فإن من الثانية عنده لابتداء الغاية لكنها بدل من الأولى واللّه أعلم، وقوله تعالى: { فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} يحتمل أن يكون المراد بقوله:
{ فيصيب به} : أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد، فيكون قوله:
{ فيصيب به من يشاء} رحمة لهم { ويصرفه عمن يشاء} أي يؤخر عنهم الغيث؛ ويحتمل أن يكون المراد بقوله: { فيصيب به} أي بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من إتلاف زروعهم وأشجارهم، { ويصرفه عمن يشاء} رحمة بهم، وقوله: { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته، وقوله تعالى: { يقلب اللّه الليل والنهار} أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا، حتى يعتدلا، فهو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه، { إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} أي لدليلاً على عظمته تعالى)[20].

وجاء في تفسير الجلالين :{ ألم تر أن الله يزجي سحابا } يسوقه برفق { ثم يؤلف بينه } يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة { ثم يجعله ركاما } بعضه فوق بعض { فترى الوَدْق } المطر { يخرج من خلاله } مخارجه { وينزل من السماء من } زائدة { جبال فيها } في السماء بدل بإعادة الجار { من بَرَدِ } أي بعضه { فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد } يقرب { سنا برقه } لمعانه { يذهب بالأبصار } الناظرة له: أي يخطفها .
‏‏

وفي  خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي : (قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } [النور: 43] يعني: ألم تعلم، وقد وقفنا مع تطور العلم على كيفية تكوُّن المطر بين التبخير والتكثيف الذي يُكوِّن السحاب، وقلنا سابقاً: إن مُسطح الماء على الأرض ثلاثة أرباع اليابسة حتى تكفي هذه المساحة البخر اللازم لتكوّن المطر، ونحن نُجري مثل هذه العملية في تقطير الماء حين نغلي الماء ونستقبل البخار على سطح بارد، فتحدث له عملية التكثيف.

وقد أوضحنا هذه العملية بكوب الماء حين تتركه ممتلئاً وتسافر مثلاً، فحين تعود تجد الكوب قد نقص قليلاً، أما إذا أرقْتَهُ على الأرضِ، فإنه يجفُّ سريعاً، وقبل أن تغادر المكان، لماذا؟ لأنك وسََعْتَ مساحة البَخْر.

ومعنى { يُزْجِي سَحَاباً } [النور: 43] أي: يرسله برِفْق ومَهَل؛ لذلك لما وصف الشاعر مَشْي الفتاة قال:
كَأنَّ مِشْيَتَها مِنْ بيْتِ جَارَتِها              مَرُّ السَّحابَة لاَ رَيْث ولاَ عَجَل
{ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } [النور: 43] أي: يجمع بعضه على بعض، وحين يُجمع الشيء بعضه على بعض لا بُدَّ أن يبقى بينه فاصل، فلا يلتحم بغيره التحاماً تاماً، ولولا هذه الفواصل بين قِطَع السحاب، ولولا هذه الفتوق ما نزل الوَدَق من خلاله.

ولو شاء سبحانه لجعل السحاب قطعة واحدة، ولكنه سبحانه يؤلف بينه ويُجمِّعه بعضه على بعض دون أنْ يُوحِّده تكويناً، فيحدث بذلك فراغاً بين قطع السحاب. أرأيتَ حين نلصق الورق بالصمغ مثلاً فمهما وضعت عليه من ثقل لا بُدَّ أن يبقى بينه فراغات؛ لأنه ليس ذاتاً واحدة.

وعملية تفريغ الهواء هذه تلاحظها حين تضع كوباً مبلولاً وتتركه لفترة، فيتبخر الماء من تحته ويخرج الهواء، فإذا أردْتَ رفعه وجدته صعباً لماذا؟ لتفريغ الهواء من تحت قاعدة الكوب، وفي هؤلاء الذين يعالجون الآلام الناتجة عن البرد، فيضعون الكوب مقلوباً على مكان الألم، ثم يُشعِلُون بداخله قطعة من القماش مثلاً لتحرق الهواء بداخل الكوب.

وبذلك نمنع الخلل في التقاء الكوب بالجسم، وهذه المسألة هي سِرُّ عظمة قدماء المصريين في البناء، حيث تتماسك الحجارة دون وجود (مونه) تربط بينها.

إذن: وجود الهواء بين الشيئن يُحدِث خللاً بينهما، ولولا هذا الخلل في السحاب ما نزل منه الماء، والمطر آية عظيمة من آيات الله لا نشعر بها، ولك أنْ تتصور كم يُكلِّفنا كوب الماء المقطّر حين نُعِدُّه في المعمل، فما بالك بالمطر الذي يسقي الأرض كلها؟

ثم يقول تعالى: { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } [النور: 43] يعني: مُكدَّساً بعضه على بعض، وفي آية أخرى:
{  وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ }
[الطور: 44] متراكم بعضه على بعض { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } [النور: 43] أي: المطر: { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } [النور: 43] أي: من خلال هذه الفجوات والفواصل التي تفصل بين السُّحُب.وهذا الماء الذي ينزل من السماء فيُحيي به الله الأرض قد يأتي نقمةً وعذاباً، كما قال سبحانه: { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ } [النور: 43] ولنا في أهل مأرب الذين أغرقهم الله عبرةٌ وعظة.

ولو تأملتَ لوجدتَ الماء والنار عدويْن متقابلين يصعب مقاومتهما؛ لذلك كان العرب إلى عهد قريب يخافون الماء لما عاينوه من غرق بعد انهيار سدِّ مأرب؛ لذلك آثروا أنْ يعيشوا في الصحراء بعيداً عن الماء.

وبالماء نجَّى الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ وأغرق عدوه فرعون، ففعل سبحانه الشيء وضده بالشيء الواحد.

وقوله تعالى: { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } [النور: 43] أي: الضوء الشديد الذي يُحدِثه السحاب يكاد أن يخطف الأبصار، وفي البرق تتولد النار من الماء؛ لذلك حينما يقول تعالى:{  وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ }[21] فصدِّق هذه الآية الغيبية؛ لأنك شاهدت نموذجاً لها في مسألة البرق.
ثم يقول الحق سبحانه: { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ }

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

السحابة أو الغيمة
عبارة عن تجمّع مرئي لجزيئات دقيقة من الماء أو الجليد أو كليهما معًا يتراوح قطرها ما بين 1 إلى 100 ميكرون، تبدو سابحة في الجو على ارتفاعات مُختلفة كما تبدو بأشكالٍ وأحجامٍ وألوانٍ مُتباينة، كما تحتوي على بخار الماء والغبار وكميّة هائلة من الهواء الجاف ومواد سائلة أخرى وجزيئات صلبة مُنبعثة من الغازات الصناعيّة.

وتعتبر السحب عبارة عن شكل من أشكال الرطوبة الجويّة التي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، حيث تعتبر الشمس المُحرّك الأساسي لدورة الماء، تقوم بتسخين المحيطات التي تحوّل جزءاً من مياهها من حالتها السائلة إلى بخار، فتقوم التيارات الهوائية المتصاعدة بأخذ بخار الماء إلى داخل الغلاف الجوي (حيث درجات الحرارة المنخفضة) فيتكاثف الهواء المشبّع ببخار الماء مكونًا بذلك جزيئات الماء السائلة أو المتجمدة فتمتزج بذرات الغبار مشكلة بذلك السحب.

وبما أنّ درجة كثافة السحب هي من 10 إلى 100 مّرة أقل من درجة كثافة الهواء فإنّها تطفو في السماء، أمّا ما يُفسّر تحرّك السحب عبر الرياح هو الحركة الدائمة لجزيئات الهواء التي تدفع كل الكتل التي تحتك بها بما في ذلك السحب.

وتنقسم السحب حسب ارتفاعها إلى 3 أقسام
قسم علماء الطقس في العصر الحديث السحب إلى ثلاثة أقسام
1-   السحب منخفضة الارتفاع ( السحاب الركامي المنخفض )
تعرف في لسان العرب باسم الصيب، وهي سحب شديدة الكثافة والضخامة لها امتداد رأسي كبير، بإمكانها أن تمتدّ من سطح الأرض إلى نهاية طبقة   التروبوسفير، و مظهرها يشبه مظهر الجبال وغالبًا ما يكون جزءها العلوّي مفلطحاً بشكل سندان.
تتركب من قطرات مائيّة وبلورات ثلجيّة ويكون التهاطل على شكل زخّات شديدة من المطر أو الثلج أو البرد ويندر أن يهطل البرد من سواها.
وهي أشهر أنواع السحب وأكثرها قوّة وتحمل في داخلها قوّة ديناميكيّة هوائيّة خارقة بإمكانها الإطباق على جناحي طائرة ركّاب، كما تحمل في باطنها أكثر شحنات كهربائيّة وأكثرها قوّة وبإمكان شرارة برق صادرة منها أن تمد مدينة بالكامل بالكهرباء، وهي السحابة الوحيدة التي تتميّز بشكلها المُهيب والمُخيف، وهذا النوع من السحب يتميّز بقربه من سطح الأرض وعلو قمّته، فنمو القمّة مُستمر حتى تصطدم بطبقة الغلاف الجوي الأولى، فتنحرف القمّة لتتمدد بشكل جانبي، حتى يتم ما يُسمى بالسندان.
2-   السحب المتوسطة الارتفاع (السحاب الركامي المتوسط)
وهي سحب متوسطة الارتفاع تأخذ شكل صفائح أو طبقات متجانسة، وقد تغطي السماء كليًّا أو جزئيًّا كما تبدو بعض أجزائها رقيقة، ويمكننا من رؤية الشمس من خلالها ولكن بلون باهت، وهي تتركّب من قطرات مائيّة وبلورات جليديّة تؤدي في بعض الأحيان بمشيئة الله إلى تهاطل مطري وأحيانًا ثلجي.
3-   السحب المرتفعة (الطباق المرتفع)
يُطلق عليه العرب اسم (القزع ) وتوجد بها بلورات الثلج الجامدة، وعندما تنزل هذه البلورات تصطدم ببخار الماء في الطبقة الوسطى الجاهزة للتجمد فيتجمد حواليها، فيتكون البرد فيبدأ ينزل، فيصيب نقاط الماء في الطبقة السفلى، فتتجمع حوله فينزل مطراً.
وهذا النوع من السحب في داخله تيار هوائي قوي يصعد للأعلى فيبرد، وينزل للأسفل فيسخن، وصعوده ونزوله مستمر، وعملية التدفئة والتبريد مستمرة، والبردة التي تجمع حولها الماء من قوة التيار يدفعها إلى الأعلى، فيحيط بها مزيد من الجليد فتكبر وتثقل، فتنزل لتصيب مزيداً من بخار الماء المبرد فيتجمع حواليها، فتثقل فتنزل أكثر، فيأتي التيار الهوائي ليصعد بها، تستمر هذه العملية إلى أن يأتي وقت لا يستطيع التيار الهوائي أن يرفعها، لأنها تكون ثقيلة جداً، فتبدأ بالنزول، فتذوب شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى الأرض وهي صغيرة الحجم.
ويثبت العلم الحديث أن هذا النوع من السحب (الركامي) يختلف عن غيره، فهو الذي يحدث فيه البرق والرعد يقول تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ).
ويقولون: إن البرق يسببه البرد بانتقاله من أسفل إلى أعلى، فتتغير شحناته الكهربائية، ومع انتقال الشحنات الكهربائية وتجمعها يحدث تفريغ، فتحدث شرارة، ويحدث وراءها صوت الرعد بسبب خلخلة الهواء، ومن هنا يحدث الرعد والبرق.
ولهذا قال تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) والضمير في (بَرْقِهِ) يعود إلى البرد، لأنه أقرب مذكور، وقيل إلى السحاب.
هذا وإذا قرأنا الآية الكريمة وتأملنا ما ذكره علماء الطقس علمنا أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه معجزة الإسلام الخالدة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)[22].



4- الإشارة إلى نزول المطر (من المعصرات)[23] مما يتبعه نمو النباتات والغابات الكثيفة في قوله تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً)[24]

قال بعض المفسرين أن المعصرات هي الرياح وقال بعضهم هي السحاب، ولا تعارض بين القولين فالرياح هي السبب في جعل السحاب معصراً بسبب عصرها لهذا النوع من السحاب.

والثجاج هو المتدفق بشدة دفقة بعد دفقة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أي الحج أفضل؟، قال: «العج والثج»[25] فالثج هو تدفق الدماء عند النحر.

الوصف القرآني للسحاب المعصر
لو تأملنا سياق الآية وبلاغتها بهذا الوصف الدقيق، فكأنك ترى غزارة الأمطار والسحاب يعصر عصراً والماء يتدفق منه بشدة، والجنات تلتف حول بعضها، فكأنك تشاهد وتحس بهذا وأنت تقرأ هذه الآيات ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾، فمن جُمع له هذه المعلومات الدقيقة بهذه المعاني المضبوطة وبهذه العبارات السهلة الواضحة، وبهذه الكلمات المختصرة، مع جمعها وشمولها لجميع مراحل السحاب المعصر؟ إنه الله عز وجل القائل: ﴿لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ والملائكة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ [26]

التفسير العلمي للآية وأوجه الإعجاز فيها
هذا النوع من السحاب أو المطر له علاقة كبيرة بالأعاصير، لذلك سنعطي تعريفاً بالأعاصير في هذا البحث:
تعريف الأعاصير
هي عواصف هوائية دوارة حلزونية عنيفة‏، تنشأ عادة فوق البحار الاستوائية‏،خاصة في فصلي الصيف والخريف
ويصاحبها تكون كل من السحب الطباقية والركامية إلى ارتفاع ‏15 كيلومترا ويتحرك الإعصار في خطوط مستقيمة أو منحنية فيسبب دمارا هائلا على اليابسة بسبب سرعته الكبيرة الخاطفة‏، ومصاحبته بالأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول بالإضافة إلى ظاهرتي البرق والرعد‏، كما قد يتسبب الإعصار في ارتفاع أمواج البحر إلى حد إغراق أعداد من السفن فيه.



كيفية تكوين السحاب المعصر
نشاهد أحياناً في اليابسة رياحاً تدور على شكل إعصار سريع يسببه اختلاف تيارات الرياح التي تأتي من اتجاهات مختلفة فيحصل لها تصادم ودوران فيتكون هذا الإعصار، فإن الأمر نفسه يحصل في السحاب المعصر، فعندما يكون بخار الماء قد ارتفع عن البحر وأصبح الجو مشبعاً ببخار الماء، فتأتي تيارات مختلفة الاتجاهات فيحصل لها تصادم فيتكون الإعصار، وهذا الإعصار يولد قوة رفع ترفع بخار الماء إلى ارتفاعات عالية فيتكون السحاب على شكل مخروط (ضيق من الأسفل ومتسع من الأعلى) والسبب في ذلك أنه كلما ارتفع إلى أعلى فإنه يقل الضغط الجوي فيتمدد ويتسع ليظهر على شكل النافورة.

إن هذا النوع من السحاب يرتفع إلى مستويات أعلى من السحاب الطبقي والسحاب الركامي، وهذا الارتفاع الكبير يجعله يصل إلى مناطق باردة جداً، حيث تتكثف القطرات بصورة أكثر وبالتالي يكون حجمها أكبر؛ ولذلك تنزل قطرات المطر بأحجام كبيرة جداً على شكل أمطار غزيرة.

ويكثر هذا النوع من السحاب في المناطق الاستوائية التي على خط الاستواء، ومن المعلوم أن خط الاستواء حار جداً (أحر بقعة على سطح الأرض) فلذلك يكون الهواء ساخناً، فيرتفع بخار الماء باستمرار وتحركه الرياح إلى مدار الجدي ومدار السرطان، فعندما يرتفع يبرد هذا البخار ويتكثف، وارتفاع هذا البخار يحدث فراغاً في الأسفل ليحل محله هواء آخر ليكتسب السخونة فيرتفع مرة أخرى، وهكذا تنشأ الدوامات لتكون سحاباً معصراً.

أما نزول هذا المطر في هذا النوع فإنه ينزل على شكل زخات متقطعة، والسبب أن تلك الزخة التي نزلت هي كمية القطرات التي رفعت وتكثفت ثم نزلت على شكل زخة ثم توقفت لتأتي عصرة أخرى تعصر هذا السحاب فتكون الزخة الثانية، فكأنه عبارة عن قطعة من القماش ممتلئة بالماء وكلما عصرتها نزلت زخة جديدة وهكذا.

ما يترتب على السحاب المعصر
إن نزول المطر من السحاب المعصر وبكميات غزيرة جداً على المناطق الاستوائية يجعل النباتات تنمو فيها بشكل كبير، فنلاحظ الأشجار الكثيفة المكونة للغابات الواسعة ذات الأشجار الملتفة جذوعها حول بعضها، كذلك تتشابك هذه الأشجار فيما بينها من أعلاها فتكون غابات مظلمة حتى أن الذي يدخلها في وسط النهار يحتاج إلى مصابيح للإضاءة، أما الحشائش المتسلقة على هذه الأشجار، فإنها تعيش على مصدر ضئيل من الضوء، وإن الحرارة الشديدة في هذه المناطق تسبب الكثير من الحرائق في هذه الغابات، وهذه الحرائق سبب من أسباب تخصيب هذه الأراضي الزراعية، وهذه حكمة من الله عز وجل.

أوجه الإعجاز في هذه الاية
1-  إن إخبار القران الكريم بأن هناك نوعاً من السحاب يكون بالشكل المعصر ﴿مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾، وهذه لا يعرفها إلا من درس جميع أنواع السحاب، ووصل إلى الارتفاعات العالية التي تكشف له هذه الحقائق، فهل كان هذا ممكناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم؟!!
2-  كذلك إخبار القران بأن هذا المطر إذا نزل في منطقة من الأرض فإنه يكون سبباً في إنبات جنات ملتفة حول بعضها، و أخباره بأن هذا النوع من الجنات الملتفة لا تكون ناتجة إلا عن السحاب المعصر؟. إن هذا لا يعرفه إلا من عرف تضاريس الأرض، وعرف ماذا يحدث على خط الاستواء، وعرف خصائص النباتات والبساتين التي في هذه المناطق، فهل كان هذا متيسراً لمحمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي الذي عاش في الصحراء؟.

{فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قول الحق (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا)
أنزلها على نبي أمي (صلي الله عليه وسلم‏)، وفي بيئة صحراوية لم تشاهد شيئا من تلك المعصرات‏، ولا ما يحركها من العواصف والأعاصير والدوامات الهوائية الممطرة‏، وذلك لندرة سقوط الأمطار في تلك البيئات‏، ولبعدها عن المساحات المائية الشاسعة من البحار المفتوحة والمحيطات‏، وإن دلت هذه الدقة العلمية المبهرة التي صيغت بها هذه الآية القرآنية الكريمة على شيء فإنها تنطق بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق (سبحانه وتعالى)}[27]

5-  الإشارة إلى الرواسي الشامخات ودورها في دورة الماء وذلك في قوله تعالى
(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً)[28]

هذه الآية الكريمة تربط بين الجبال الرواسي الشامخات أي : ذات الارتفاع العالي وبين الماء الفرات , وهذه الاية تشير إلى علاقة الجبال بنزول المطر , وعلاقته أيضا بتنقية الماء حتى إن العلماء اليوم ينظرون إلى الجبال كأبراج ماء ضخمة.

تفاسير الاية الكريمة من كتب التفسير.
جاء في  تفسير الطبري قوله: ( وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ) يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الأرض جبالا ثابتات فيها، باذخات شاهقات.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال:حدثنا سعيد، عن قتادة ( وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ) يعني الجبال.
حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ) يقول: جبالا مشرفات.
وقوله: ( وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) يقول: وأسقيناكم ماء عذبا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( مَاءً فُرَاتًا ) قال: عذبا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ) : أي ماء عذبا.
حدثنا محمد بن سنان القزّاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس: ( وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) قال: من أربعة أنهار: سيحانَ، وجيحان،  والنيلِ، والفراتِ، وكل ماء يشربه ابن آدم، فهو من هذه الأنهار، وهي تخرج من تحت صخرة من عند بيت المقدس، وأما سيحان فهو ببلخ، وأما جيحان فدجلة، وأما الفرات ففرات الكوفة، وأما النيل فهو بمصر)[29].

وفي تفسير بن كثير وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا .
يعني الجبال رسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب "وأسقيناكم ماء فراتا" أي عذبا زلالا من السحاب أو مما أنبعه من عيون الأرض)[30].

وقال  بن عاشور في تفسيره وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا)
وجمع على فواعل لوقوعه صفة لمذكر غير عاقِل وهذا امتنان بخلق الجبال لأنهم كانوا يأوُون إليها وينتفعون بما فيها من كَلأ وشجر قال تعالى : { والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامكم }[31].
والشامخات : المرتفعات .
وعُطف { وأسقيناكم ماء فراتاً } لمناسبة ذكر الجبال لأنها تنحدر منها المياه تجري في أسافلها وهي الأدوية وتقر في قرارات وحياض وبُحيرات .
والفُرات : العذب وهو ماء المطر .
وتنوين { شامخات } و { ماءً فراتاً } للتعظيم لِدلالة ذلك على عظيم القدرة )[32].

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

1- أشار الله تعالى إلى وجود علاقة ما بين الجبال الشاهقة وإنشاء السحاب ونزول الماء العذب منه,ويدل عليه ذكر الجبال المقترن بالماء
الذي ينزل منه السحاب.
ويقول العلم الحديث : إن أهم العوامل الطبيعية لتبريد الهواء الجوي هي الرياح
والجبال : حيث إن الجبال العالية في تعرضها للرياح الأفقية المنخفضة تجبرها على الصعود إلى أعالي الجو حيث
تبرد ويتكاثف بخار الماء فيها الى سحاب كما أن قمم الجبال العالية التي تكاد تكون دائما مكسوة بطبقة من الجليد تبرد السحاب الذي يمر بها, وتعمل على تكثيفه وانزل الماء منه.
ويتضمن وصف "الشامخات" في الآيات حقيقة أخرى وظاهرة عجيبة..تلك هي ظاهرة الثلج الدائم بكل هامات الجبال حيث تكون درجة الحرارة في قممها دائما تحت الصفر إذا زاد ارتفاعها عن حد معين يتوقف على موقعها خط الاستواء.
2- إن الماء عندما ينزل من السماء يتسرب خلال تربة الأرض, ويمر في مسامات التربة الأرضية وبين الصخور تتحلل فيه بعض المعادن والأملاح وهي مفيدة
للجسم كما يقول الأطباء.
3- نحن نعيش اليوم في ظروف تلوث خطيرة بعد التطور الصناعي الكبير الذي رافقه إطلاق كميات ضخمة من الملوثات بسبب المصانع ووسائل النقل , وما تخلفه من غازات سامة تضر بالبيئة وبالإنسان , ولذلك نجد أن ماء المطر لدى نزوله من الغيوم يمتص جزاء من الملوثات الموجودة في الجو.
وعلى الرغم من ذلك فان هذا الماء عند مروره في طبقات التراب والصخور المختلفة تتم عملية التنقية والتصفية له , وكلما زادت المسافة التي تقطعها قطرة الماء زادت درجة نقاوتها , وهنا تتجلى معجزة قرآنية في الماء العذب الفرات بالجبال الشامخة لان المسافة التي يقطعها ماء المطر خلال الجبال العالية طويلة والماء الناتج أنقى وأكثر عذوبة.


6- الإشارة إلى توزيع الماء وخزنه في الأرض وذلك في قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكري لأولي الألباب)[33]

تفاسير الآية الكريمة من كتب التفسير
يقول  بن كثير رحمه الله في تفسيره { يخبر تعالى : أن أصل الماء في الأرض من السماء كما قال تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) [ الفرقان : 48 ] ، فإذا أنزل الماء من السماء كمن في الأرض ، ثم يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء ، وينبعه عيونا ما بين صغار وكبار ، بحسب الحاجة إليها ; ولهذا قال : ( فسلكه ينابيع في الأرض ) .
قال ابن أبي حاتم - رحمه الله - : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو قتيبة عتبة بن يقظان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ) ، قال : ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء ، ولكن عروق في الأرض تغيره ، فذلك قوله تعالى :
( فسلكه ينابيع في الأرض ) ، فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعده .
وكذا قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي : أن كل ماء في الأرض فأصله من السماء .
وقال سعيد بن جبير : أصله من الثلج يعني : أن الثلج يتراكم على الجبال ، فيسكن في قرارها ، فتنبع العيون من أسافلها .
وقوله : ( ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ) أي : ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعا ( مختلفا ألوانه ) أي : أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه ، ( ثم يهيج ) أي : بعد نضارته وشبابه يكتهل ( فتراه مصفرا ) ، قد خالطه اليبس ،
( ثم يجعله حطاما ) أي : ثم يعود يابسا يتحطم ، ( إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) أي : الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا ، تكون خضرة نضرة حسناء ، ثم تعود عجوزا شوهاء ، والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا [ قد خالطه اليبس ] ، وبعد ذلك كله الموت . فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير ، وكثيرا ما يضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء ، وينبت به زروعا وثمارا ، ثم يكون بعد ذلك حطاما ، كما قال تعالى : ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ) [ الكهف : 45 ] }[34].

 وجاء في تفسير الطبري { قوله تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب .
قوله تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء أي إنه لا يخلف الميعاد في إحياء الخلق ، والتمييز بين المؤمن والكافر ، وهو قادر على ذلك كما أنه قادر على إنزال الماء من السماء . " أنزل من السماء " أي : من السحاب " ماء " أي : المطر " فسلكه ينابيع في الأرض " أي فأدخله في الأرض وأسكنه فيها ، كما قال : " فأسكناه في الأرض " . " ينابيع " جمع ينبوع وهو يفعول من نبع ينبع وينبع بالرفع والنصب والخفض.}[35]
وجاء في كل من تفسير الجلالين‏,‏ والظلال‏,‏ وصفوة البيان لمعاني القرآن‏,‏ والمنتخب‏,‏ وصفوة التفاسير كلام مشابه‏,‏ وإن تميز كل تفسير بأسلوب كاتبه‏,‏ وطريقة عرضه‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

1-   الإشارة إلي أن الماء المخزون تحت سطح الأرض كله من ماء المطر.

 لقد كان القدماء يعتقدون أن باطن الأرض هو المصدر الوحيد لكل المياه التي تجري فوق سطحها، ولقد ظل هذا الاعتقاد راسخاً في أذهان العلماء إلى عهد ليس ببعيد. ولقد ورد في كتاب قواعد الجيولوجيا العامة والتطبيقية (1972م) صفحة 321 أن العالم الهولندي أثناسيوس كيرشر (Athanasius Kircher) كتب في سنة 1665م في كتابه (عالم ما تحت الأرض) يقول إن جميع الأنهار والجداول تنبع من بحيرات ومستودعات مائية شاسعة تحت الأرض. ولكن كيرشر لمس شيئاً عجيباً وهو أنه بالرغم من جريان الأنهار بشكل مستمر وتدفقها في المحيط فإنه لا يمتلئ أو يفيض! ولذلك فقد اقترح أن هذه البحيرات والمستودعات الباطنية لابد وأنها تستمد معينها من ماء المحيط نفسه، ولم يفسر هذا الاقتراح كيفية ارتفاع المياه عن مستوى البحر إلى أماكن انبثاقها في أعالي الجبال، وكيف تتخلص مياه البحار والمحيطات من ملوحتها، وتتخزن في باطنها، ثم تتفجر ينابيع وجداول وأنهارًا. لقد ظلت مثل هذه المشكلات ألغازا حتى أواخر القرن السابع عشر خاصة عندما بدأ العلماء والمفكرون يفطنون إلى أن دورة الماء من المحيط إلى الأنهار لم تكن في باطن الأرض، ولقد ورد أيضاً في كتاب قواعد الجيولوجيا العامة والتطبيقية (1972م) أن العالم هالي (Halley, 1748) أثبت أن دورة المياه تكون خلال الجو عن طريق تبخر مياه البحار والمحيطات ثم سقوطها أمطاراً.
   
2-   تعتبر الصخور الخزان الأمثل لتسكين الماء في الأرض والحفاظ عليه   لمئات وآلاف السنين
     ومن الجدير بالذكر أن مياه الأمطار الساقطة على الأرض تتوزع كما يلي:
     ا  ـ جزء يتبخر مباشرة ويعود إلى الغلاف الجوي.
ب ـ جزء يجري على السطح وتتكون منه الأنهار والجداول ويسمى الماء المنطلق (Run-off).
ج ـ جزء يدخل إلى التربة ويتسرب منها إلى الصخور التي تحتها ويسمى الماء المتخلل (Percolating water) والذي يتخلل إلى مستودعات المياه الجوفية.

والحقيقة التي تتضح جلية أن هذه النظرية العلمية التي أثبتت أن مصدر المياه الجوفية من الأمطار لم تكن بجديدة فقد سبق بها كتاب الله ـ عز وجل ـ حين أشار إلى ذلك منذ مئات السنين بقوله سبحانه وتعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأَرْضِ) (المؤمنون: 18). وأيضا قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ) (الزمر: 21). وقال سبحانه وتعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر: 22).
ولم تكن دورة المياه الجوفية معروفة منذ عهد (أفلاطون) ـ الذي أفترض: أن الرياح هي التي تقوم بدفع المياه إلى باطن القارات لتعود إلى المحيطات من جديد ـ وحتى اكتشافها في القرن السادس عشر لتحل محل النظريات البالية وذلك على يد (برنارد بليسي). وفي الواقع إن برنارد بليسي لم يأتي بجديد فلقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة دورة المياه الجوفية منذ مئات السنين والتي تتم خلال عمليات تشرب التربة المسامية بالمياه، ثم تتسرب منها إلى باطن الأرض، وهو ما ينطبق تماماً على التعبير القرآني: (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ) (الزمر: 21).

3- إن حركة المياه الجوفية في باطن الأرض تتوقف على ثلاث صفات رئيسية للصخور، وهذه الصفات هي:
ا ـ المسامية.
ب ـ الإنفاذ.
ج ـ الإمرار.
ا- مسامية الصخور (Porosity)
يسمى الصخر مسامياً (Porous) إذا كان يحتوي على فتحات صغيرة دقيقة بين حبيباته تسمى المسام. وتقدر مسامية الصخور كنسبة مئوية لحجم الفراغ إلى الحجم الكلي للصخر.
مسامية الصخر = حجم الفراغ الموجود في الصخر      حجم الصخر كله     × 100
وبهذه النسبة يمكننا مقارنة مسامية الصخور بعضها ببعض. وهناك بعض العوامل الأخرى التي تؤثر على درجة مسامية الصخور مثل وجود الشقوق والفواصل أو الفجوات الصغيرة المتصلة


ب ـ الإنفاذ (Permeability):
هو سهولة مرور الماء وسرعة تحركه بين حبيبات الصخر وهذا هو ما نسميه نفاذية الصخور. فالطين مثلاً صخر غير منفذ، بينما الرمل منفذ جيد، والسبب في ذلك أن حبيبات الطين دقيقة جداً، ولذلك فإن الماء يُمسَك في هذه المسام بواسطة الخاصية الشعرية، وعلى ذلك لا يسمح الطين بمرور الماء فيه بل يمتصه ويبقيه بداخله، أما الرمل فإن حبيباته كبيرة نسبياً ومتباعدة بعضها عن بعض، فيمر الماء خلاله بسهولة ويسر.
ج ـ الإمرار:
هناك صخور تسمح بمرور الماء فيها بالرغم من أنه ليس بها مسام تذكر بين حبيباتها. فالجرانيت مثلاً مساميته ضئيلة جداً، وكذلك الصخر الجيري الدولوميتي، ولكن غالباً ما تسمح بمرور الماء فيها، وذلك لوجود شقوق وفواصل تعمل كأنابيب تسمح بمرور الماء. فالماء هنا لا يمر خلال الصخر نفسه بين حبيباته بل يمر خلال هذه الشقوق والفواصل )[36].

مما سبق ذكره نستطيع أن نؤكد أنه من تمام نعم الله علينا أنه تولى بقدرته القيام بتهيئة المستودعات من أجل تسكين المياه في أماكنها، والحقيقة أنه يجب علينا أن نشكر الله ـ عز وجل ـ على هذه النعمة التي ننتفع بها ليل نهار، ولولا رحمته بعباده لجعل المياه العذبة المسكنة مياه مالحة غير صالح للاستخدام ولا ينتفع بها الإنسان والحيوان والنبات، كما بين ذلك في كتابه العزيز، قال تعالى: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة: 70). ولو شاء الله كذلك لأزال كل العوامل التي تؤدي إلى تسكين المياه مما يؤدي إلى هروب الماء في باطن الأرض، كما قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ)[37] .

انه منهج علمي دقيق يبين لنا مصادر المياه الجوفية وتسكينها تحت الأرض وكيفية حركتها لتكوين الينابيع والجداول والأنهار، وكل هذه الحقائق العلمية التي أمكن التوصل إليها وإدراكها والتي تصير في غاية الدقة والتقدير، فلقد سبق القرآن الكريم بإقرارها قبل أربعة عشر قرناً أو يزيد، ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدراً لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق ـ تبارك وتعالى ـ، فسبحان خالق الكون الذي أبدعه بعلمه وحكمته وقدرته، ولتبقى هذه الومضة القرآنية الباهرة مع غيرها من الآيات القرآنية، شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله، وأن سيدنا ونبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان موصولاً بالوحي معلماً من قبل خالق السماوات والأرض، وأن القرآن الكريم هو معجزته الخالدة إلى قيام الساعة.



7- الإشارة إلى وجود قوانين دقيقة تحكم دورة الماء حول الأرض {التقدير} في قوله تعالى (وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)[38]

يقول العلماء إن دورة الماء تتم بشكل منتظم وفق قوانين فيزيائية ثابتة، ولذلك فإن العملية بأكملها مقدَّرة ومحكمة ومنظمة، ولذلك يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)

ثبات نسب دورة الماء حول الأرض
إن الله تبارك وتعالى نظَّم هذه الكرة الأرضية بنظام ثابت فجعل نسبة اليابسة بحدود 29 بالمائة ونسبة البحار والمحيطات 71 بالمائة، وجعل كمية الماء في الأنهار شبه ثابتة خلال مئات السنين، كذلك جعل كمية الماء في البحار ثابتة وهكذا.
ولكن هناك تغير في هذه النسب بشكل طفيف يحدث مع مرور مئات السنين، لأن قطرة الماء التي نزلت من السماء هي ذاتها خرجت من البحر، وهي ذاتها ربما التي شربها أجدادك... أي أن هناك دورة للماء تتبخر من البحار ثم تصعد إلى الجو وتتكثف وتشكل الغيوم ثم ينزل المطر ونشربه أو يتغذى عليه النبات، ثم نُخرجه من جديد من خلال الفضلات فيعود إلى الأرض ثم يتبخر وهكذا...
وسبحان الله! إن المرء ليعجب من هذا الماء العجيب كيف يمكن للماء أن يبقى ملايين السنين هو ذاته يتغير من شكل لآخر دون أن يفقد قوته وقدرته على الحياة! لقد ظلت دورة الماء تعمل لآلاف الملايين من السنين دون كلل أو ملل، أليست هذه قدرة الله تعالى القائل: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [39]. انظروا كيف لخص لنا الله تعالى جميع مراحل دورة الماء في آية واحدة! يقول العلماء إن الشمس هي المحرك "الميكانيكي" لدورة المياه على سطح الأرض فهي التي تعمل مثل سخان ماء تبخر المياه، وهنا نجد قول الحق يتجلى عن دور الشمس في نزول المطر: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [40].

نسبة الماء العذب إلى الماء المالح
لقد قدَّر الله النظام المائي على سطح الأرض بنسب لا تختل، فجعل نسبة المياه المالحة أكثر من 97 بالمائة، ونسبة المياه العذبة أقل من 3 بالمائة، ويقول العلماء لو زادت نسبة المياه العذبة قليلاً أو نقصت نسبة المياه المالحة لاختل النظام البيئي المتوازن على الأرض ولانقرضت أشكال عديدة للحياة. ولذلك قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [41]

المخطط التالي يبين لنا نسب توزع الماء في الأرض حسب ما جاء على موقع وكالة الجيولوجيا الأمريكية.

هذه المخططات  تعبر عن نسب محددة لكميات الماء على الأرض، فالبحار المالحة تشكل 97 5% من مجموع المياه على الأرض، بينما الماء العذب أقل من 3 % وهذا التوزع لحكمة عظيمة ولولاه لاختفت الحياة في البحار، فهو توزع دقيق يضمن استمرار الحياة التي خلقها الله وقال: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]. لاحظ أن إجمالي إمدادات المياه في العالم يصل إلى حوالي 1.386 مليون كيلومتر مكعب من الماء، منها أكثر من 96% عبارة عن ماء مالح. وفيما يتعلق بالماء العذب، منها ما يزيد على 96% محجوز بالأنهار والكتل الجليدية و30% موجود بالأرض. أما مصادر الماء العذب المتمثلة في الأنهار والبحيرات فهي تشكل حوالي 93.100 كيلومتر مكعب أي حوالي 1/150 من 1% من إجمالي الماء. ولا تزال الأنهار والبحيرات تشكل معظم مصادر المياه التي يستخدمها الناس يومياً

توزع الأمطار بنسب محددة
عدما درس العلماء مناخ الأرض وكميات الأمطار المتساقطة على المناطق المختلفة استنتجوا أن كمية المياه المتبخرة تساوي كمية الماء الهاطلة وذلك خلال عام واحد. وبالطبع هذا أمر منطقي إذ أن كمية الماء المتبخرة من المحيطات لو كانت أكبر مما يتساقط من أمطار وثلوج لبقي الماء معلقاً في الجو ولغطت الغيوم سطح الأرض وحجبت أشعة الشمس وانقرضت الحياة على ظهرها.
ومن خلال الشكل الآتي نقلا عن موقع الجيولوجيا الأمريكي يتبين لنا أن هناك توزعاً دقيقاً للأمطار على سطح الأرض، وهناك معدلات شبه ثابتة لنزول المطر والثلوج، وهذه المعلومة لم تكن معروفة أبداً زمن حياة النبي الأعظم.

الباحث / محمد احمد سليممعلم بالازهر الشريف





[1] - النبأ 13
[2] تفسير بن كثير النبأ 13
[3] تفسير الطبري النبأ 13
[4] تفسير بن عاشور النبا 13
[5] التفسير الوسيط لطنطاوي – النبا 13
[6] وجعلنا سراجا وهاجا – د.ياسين محمد المليكي (المؤتمر العلمي السابع للاعجاز العلمي في القران والسنة)
[7] - سورة الحجر 22
[8] - تفسير بن كثير  -الحجر 22
[9] تفسير السعدي- الحجر 22
[10] الذاريات  41
[11] - تفسير بن عاشور الحجر 22
[12] تفسير البغوي –الحجر 22
[13]سورة  الحجر 85
[14] سورة الحجر - 22
[15] سورة النور 43
[16] سورة النور 43
[17] سورة الروم 48
[18] سورة النبأ 15-16
[19] سورة النور 43
[20] تفسير بن كثير النور 43
[21] التكوير 6
[22] سورة فصلت 53
[23] أي:السحاب المعصر
[24] سورة النبأ 14-16
[25] سنن الترمذي 3/ 189، برقم: 827، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 486، برقم: 1500.
[26] سورة النساء 166
[27] من مقالات الدكتور زغلول النجار
[28] المرسلات 27
[29] تفسير الطبري المرسلات 27
[30] تفسير بن كثير المرسلات 27
[31]  النازعات 32 - 33
[32] تفسير بن عاشور المرسلات 27
[33] الزمر 21
[34] تفسير بن كثير الزمر 21
[35] تفسير الطبري – الزمر 21
[36] قواعد الجيولوجيا العامة والتطبيقية ـ د.محمد إبراهيم فارس ـ د.محمد يوسف حسن ـ د.مراد إبراهيم يوسف ـ 1972م.
[37] الملك 30
[38] المؤمنون  18
[39] الأعراف 57
[40] النبأ  13-16
[41] الفرقان 2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...