الأحد، 18 ديسمبر 2016

الميـاه الراكدة ودورة البلهارسيا

: الميـاه الراكدة ودورة البلهارسيا
وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)[1].

نص الحديث
ورد في صحيح البخاري باب البول في الماء الدائم (236) حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)[2]
وفي صحيح مسلم باب الماء الدائم (57) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه) فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناوله تناولاً "[3]
كما أخرج حديث أبو هريرة ابن ماجة والترمذي والنسائي وأبو داود والدارقطني واحمد في مسنده.

شرح الحديث
جاء في شرح بلوغ المرام قال رحمه الله: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) أخرجه مسلم .
و للبخاري : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) ، ولـ مسلم : ( منه ) ، ولـ أبي داود : ( ولا يغتسل فيه من الجنابة ) ].
هذه أخبار تنقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بالماء الدائم.
وقسم يتعلق بالاغتسال من الجنابة في الماء الدائم.
والنهي عن الاغتسال في الماء الدائم جاء بالإطلاق، وجاء بقيد الجنابة، والنهي عن الاغتسال في الماء الدائم يصدق على البركة وعلى الغدير، وكل ماء كثير على حد الأئمة الثلاثة الذين اعتبروا القلة والكثرة، ولماذا لا يغتسل فيه؟ قال بعض العلماء: نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم لا لذات الجنابة، وقال بعضهم: بل لذات الجنابة؛ لأن الماء إذا رفعت به الجنابة تنجس، وهذا قول عند الأحناف كما في فتح القدير، وهو أن الماء الذي يرتفع به حدث أصغر أو أكبر لا يجوز استعماله، وهو نجس، ويقولون: إن الحدث وقع في الماء بعد أن أزال الحدث ورفعه، فلو توضأت في طست، وتجمع ماء الوضوء في نفس الطست، فهذا الماء عندهم متنجس؛ لأنه نقل الحدث من الأعضاء إلى الماء.



وكذلك قوله: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه ).
فالماء الدائم منهي أن تبول فيه أو تغتسل فيه من الجنابة، وقوله: ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) نهي عام يشمل كل ذي جنابة أن يغتسل منه، ولكن هنا قال: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه أو يغتسل فيه )، فهذا نهي موجه للإنسان أن يجمع بين الأمرين: البول والاغتسال، فلو لم يرد أن يغتسل فهل يجوز له أن يبول؟ لا يجوز، فلو أن اثنين أحدهما بال في الماء، فيقال له: لا تغتسل؛ بسبب بولك فيه، والشخص الثاني الذي لم يبل له أن يغتسل ويتوضأ؛ لأنه لم يفعل سبب النهي، ويتعجب بعض العلماء من المغايرة بين الشخصين، ويقولون: إن كان النهي عن البول في الماء لنجاسة أو لاستقذار، فكما يجري هذا على الذي بال فينبغي أن يجري على الذي لم يبل، وقالوا: إن النهي للكراهة لا للتحريم، ليبقى الماء طاهراً مدة أطول، حتى لا يطول الزمان ويكثر البول فيفسد الماء.
وهناك من يقول: النهي عن ذلك من ناحية طبية؛ لأن الماء الذي لا يجري، وهو ما يسمى المستنقعات، تنشأ فيها بعض الأشياء، فتحمل بعض الجراثيم التي تنتقل عند البول فيه أو عن طريق الأظفار في القدمين فتصيبه بالمرض، ويذكرون أن البلهارسيا والكلستوما وغيرهما تكثر في مستنقعات المياه، وكانت توجد في المنطقة الشرقية أكثر من غيرها قبل أن تنظم فيها قنوات الري)[4].

ما يستدل عليه من الحديث
استدل الفقهاء من هذه الأحاديث النبوية، على حرمة البول في الماء الراكد الذي لا يجري، وكراهية ذلك في الماء الجاري إن كان كثيرًا، وتصل هذه الكراهية للحرمة إن كان الماء الجاري قليلاً لمظنة تغيره بذلك.
كما أجمعوا على أن حرمة التغوط في الماء أشد من حرمة التبول فيه.
أما عن استعمال الماء الراكد للضرورة في الوضوء أو الاغتسال، فلم يحرم ذلك، وإنما حرم الانغماس فيه.

الماء الدائم أو الراكد
الماء الدائم هو الماء الراكد الذي لا ينقطع عن المكان في غالب الوقت، أو المستديم الذي لا يجف أبدًا مع ركوده.

الماء الجاري
الماء الجاري الذي لا يسكن لتجدد المدد له، وإن استدام على هذه الحال.



من أوجه الإعجاز العلمي في الحديث الشريف
(الماء الراكد ودورة حياة البلهارسيا)

الذي نراه اليوم ومنذ القدم في أحوال الناس مع الماء الراكد ، أنه مصدر لمرض البلهارسيا ، والتي عرفت قديماً بالبيلة الدموية . وحتى بعد أن أكتشفت دورة حياة البلهارسيا ، وعرفت طرق المقاومة والعلاج ، ومع الإعلام ، وانتشار التمدن وبناء السدود وتقدم نظم الري ، فإننا نرى اليوم أن هذا المرض الذي كان ظاهرة لا يعرف لها سبب ، أصبح وباء يحصد ملايين البشر .
فإن المصابين بداء البلهارسيا اليوم في العالم  غالبيتهم من المصابين ببلهارسيا الأمعاء الأكثر خطورة ، والتي يصحبها الإصابة بفيروس الكبد) [5]

البلهارسيا
البلهارسيا، (باللاتينية: Schistosoma) جنس من الطفيليات من صف المثقوبات شعبة الديدان المسطحة، مسبب داء البلهارسيات.
تنتشر هذه الطفيليات بصورة رئيسية في أفريقيا حيث يبلغ عدد الإصابات المرضية حوالي 100 مليون إصابة كما تنتشر في بعض الدول مثل مصر وسوريا تركيا وإيران.

الصفات الشكلية
الجسم اسطواني متوسط طول الذكر 100–150 ميكرومتر بينما الأنثى 120–200 ميكرومتر. جسم الذكر مسطح له حواف ملتفة للوسط مكونة القناة التناسلية أو قناة الاحتضان تغطى الأشواك الصفيرة لحافة جسم الذكر الظهرية كما يحتوى الجسم على ممصين (فمي وبطني)من اجل تثبيت الدودة بجدران الأوعية الدموية من الداخل يتميز بيض هذه العائلة بأنه به أشواك في نهايته أو جانبي البيضة ويوجد داخل الأوعية الدموية الصغيرة ويخرج مع البول أو البراز.

دورة حياة البلهارسيا
تتكون دورة حياتها من مرحلتين، مرحلة في العائل الأساسي (الإنسان) ومرحلة في العائل الوسيط (القوقع).
- تبدأ المرحلة الأولى في دورة الحياة عادة بالتزاوج، حيث تعيش الديدان الصغيرة في الأوردة الكبدية لفترة تقدر بـ 5 - 8 أسابيع حتى تنضج الذكور جنسيا. يحمل الذكر أنثاه في قناة الاحتضان التي من دورها تهيئة الأنثى لنضج أعضائها التناسلية وتضمن حدوث التزاوج وكذلك تقوم بوضع البيض وهي مستقرة بداخله. تقوم الأنثى بوضع البويضات في الأوعية الدموية حتى تمتلئ واحدا تلو الآخر. تحتوي البويضات على شوكة أمامية في حالة بلهارسيا المجاري البولية وجانبية في حالة بلهارسيا المستقيم، تساعد هذه الشوكة على اختراق جدران الأوعية الدموية عند انقباضها, وتعمل القشرة على إفراز بعض المواد التي لها القدرة على إذابة الأنسجة فتساعد البويضة على اختراق جدار المثانة أو المستقيم لتصل إلى تجويفهما ومنهما إلى خارج جسم الإنسان.

- بعد أن تنتقل البويضات إلى الماء العذب, تأتي المرحلة الثانية من دورة الحياة وهي أن تمتص البويضات الماء بخاصية الانتشار الغشائي وتنفجر قشرتها ثم يخرج من البويضات يرقات كاملة التكوين تسمى الميراسيديوم، يبحث الميراسيدوم عن العائل الوسيط (القوقع) المناسب له في غضون 30 ساعة وان لم يجده فانه يهلك.
يخترق الميراسيديوم الأنسجة الداخلية للقوقع المناسب له حيث يتحول إلى كيس جرثومي يسمى الـاسبروسيست ,لتبدأ خلاياه بالانقسام لا جنسيا حيث ينشأ جيل ثاني من الاسبروسيست ليترك الكيس الجرثومي بعد تحولها إلى يرقات تسمى السركاريا (الطور المعدي) الذي بدوره يخترق طبقة الجلد للإنسان.

طريقة العدوى
تتم العدوى بمرض البلهارسيا عند نزول الإنسان إلى مياه الترع والمصارف (للري أو للاغتسال) الملوثة بالسركاريا، حيث تنجذب إليه عن طريق الحرارة التي تشع من جسم الإنسان, ثم تخترق طبقة الجلد تاركة ذيلها خارج الجسم، ثم تنتقل مع تيار الدم حتى تصل إلى الأوردة الكبدية. كذلك لا تتم العدوى عن طريق شرب الماء الملوث بالسركاريا، حيث أنها ما وصلت إلى المعدة فإنها تموت بفعل العصارات الهاضمة إلا في حالة تمكن السركاريا من اختراق الأغشية المبطنة للفم والوصول إلى تيار الدم حينها تحدث الإصابة.

طرق الوقاية والمكافحة
1- الابتعاد عن المياه الراكدة والمستنقعات وعدم ملامسة الجلد.

2-علاج الأفراد المصابين، والذي يهدف إلى الإقلال من فرص إصابة القواقع بالطفيل وانتشار العدوى.

3- مكافحة القواقع والأعشاب المائية التي تساعد على توالدها، والبؤر التي تساعد على استمرار وجودها.

4- منع تلوث المياه ببيض الطفيل وذلك بتوفير الصرف الصحي ونشر الوعي بين الناس



الإعجاز النبوي في التحذير من الانغماس في الماء الراكد وطريقة تناوله

إذا نظــرنا لطريقـــة العـــدوى، والتي تحدث عن طريق المذنبات في الماء الراكد، فإن هذه المذنبــات تنطلق من القواقع المصابة ، وتسبح في المياه مثل الميراسيديوم للبحث عن العائل وتتخذ نفس طريقة حركة الميراســـيديوم في الميــاه وتتجه للظل وراء الأعشاب وتلتصق بأسطحها، أو تنجذب بالأحرى إلى العائل، منجذبة له بالحرارة والمواد الكيميائية المنبعثة من الجلد
وهكذا نرى أنه في انغماس الإنسان في الماء تنجذب إليه هذه المذنبات من محيط الماء، كما انه يفقد طبقة الدهن على الجلد التي تمثل وقاية ووسطا يقتل المذنبات، وتتشرب طبقة الكيراتين بالماء، فيسهل على هذه المذنبات بعد الانغماس اختراق الجلد وإحداث الإصابة فيه، ولكن في تناول الماء للاستخدام دونا عن الانغماس فيه فإن الماء المتناول يكون بعيداً عن تجمع المذنبات فلا يحوي منها إلا القليل مهما كانت الإصابة عالية في الماء وبعد انجذاب المذنبات لجدران الإناء، فإن ما يقع منها على الجلد، يجده في تمام الوقاية، ثم ينساب الماء عليه ولا يلتصق به.
وهنا يتجلى الإعجاز في قول ابوهريرة (فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناوله تناولاً ")
ومما تجدر الإشارة له، أن الدراسات تجري الآن على الوقاية الجلدية من الإصابة بالبلهارسيا فيعتبر الجلد سطحا غير محب أو طارداً للماء  بفضل طبقة الكيراتين، والمادة الدهنية Sebum التي تفرزها الغدد الدهنية على كافة أنحاء الجلد، والتي تكون مع الإفراز العرقي الحامضي، طبقة واقية تعرف بالطبقة الحامضية Acid Mantle. ومع إزالة الطبقة الدهنية بالانغماس في الماء لفترات طويلة أو استخدام الصابون أو المنظفات تفقد هذه الطبقة

تعاليم السنة النبوية في الوقاية من الإصابة بهذا الداء (البلهارسيا)

1- إن التشريع الإسلامي يعنى بكيفية استخدام هذا الماء، وليس بتمام تجنبه والابتعاد عنه.

2- في تلويث الماء بالبويضات من البول أو البراز ذلك في الإسلام من المحرمات أو الملاعن فقد روى الإمام مسلم وأبو داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)[6]

3- من دلالات الإعجاز في الحديث النبوي، تخصيص الماء الدائم بتحريم تلويثه والحذر منه، ثم إلحاق المحافظة على عموم الماء في حرمة تلويثه سواء الراكد أو الذي يجري قياسا على ذلك.
فإن الماء الجاري لا يناسب حياة القواقع ولا أطوار الطفيل الضعيفة، وكذلك فإن القواقع التي تقوم عليها حياة الطفيليات تنقطع عن الماء الراكد الذي يجف أو ينقطع في بعض مواسم العام.

4- يشترط الإسلام في استخدام الماء أن يكون على ظاهر الطهارة، و يتيقن من عدم وجود البول أو البراز فيه، ومن ثم يستخدم مناولة وعلى حذر، في غير مبـاشرة لمجرى الماء، ومن غير انغماس فيه.
وبالنسبة للشرب، فإن أمراضًا أخرى تنتقل عبر الماء العذب العموم، وهي مجموعات من الأمراض الفيروسية (مثل التهاب الكبد الوبائي)، أو البكتيرية (مثل التيفود)، أو الطفيلية (مثل الدسونتاريا الأميبية).
وقد تنتقل هذه الأمراض بشرب الماء الملوث، وإن كان على ظاهر الطهارة، ولكنها لا تنتقل عن طريق الجلد.


وبعد فان هذه تعليمات وإرشادات إسلامية صادرة من نبي الهدى، الذي لا ينطق عن الهوى وإنما نطق عن وحي يوحي منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وإنه من تمام إيمان المسلم الأخذ بما آتاه الرسول، والانتهاء عما نهى عنه، موقنا أنه الحق الذي يحمل خيري الدنيا والآخرة، مادام أن هذا الأمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بطريق صحيح.

وهكذا لا أجد لي وللمسلمين اليوم إلا قول الله تعالى: ( لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[7])

أما غير المسلمين، فليعلموا أن هذا هو دين الله للناس كافة، من تبعه في الدنيا نال خيرها، لقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[8]
ومن اتبعه للآخرة ناله خيري الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاٌّ نُّمِدُّ هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[9] .

 الباحث / محمد احمد سليممعلم بالأزهر الشريف



[1] صحيح البخاري- باب البول 236
[2] صحيح البخاري- باب البول 236
3 صحيح مسلم باب الماء الدائم (57)



[4]  شرح بلوغ المرام المؤلف : عطية بن محمد سالم 3/3 http://www.islamweb.net
[5] - من أبحاث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الكويت 1427هـ - 2006م
د. مجدي إبراهيم السيد
[6] رواه أبو داود
[7] التوبة 128
[8] النساء 66
[9] الاسراء 18-20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...