الأحد، 18 ديسمبر 2016

 الإعجاز في حديث الخصال الخمس

 الإعجاز في حديث الخصال الخمس
نص الحديث
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).

تخريج الحديث
ورد هذا الحديث، أو بعض فقرات منه، من رواية ابن عمر، و ابن عباس ، وبريدة، وعمرو بن العاص
أما رواية عبد الله بن عمر:
فقد أخرجها ابن ماجة في كتاب الفتن، باب العقوبات، حديث رقم (4068)، والحاكم في المستدرك (5/749، تحت رقم 8667)، وأبو عمرو الداني في كتاب السنن الواردة في الفتن (3/691، تحت رقم 327)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (6/486، تحت رقم 3042)، واللفظ له المذكور له. قال البيهقي عقب روايته: "وروي في ذلك أيضا عن هذيل عن هشام بن خال المازني عن ابن عمر"اهـ
وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم (106) إسناد الحاكم.
والروياني في مسنده (2/285، تحت رقم 1423)، من طريق ابن وهب حدثني عثمان بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة من أصحابه فأتاه رجل من على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأنصاري: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا؟ قال: فأيهم أكيس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم له استعدادا فأولئك الأكياس ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة ثم قال: يا معشر المهاجرين الأولين خمس خصال إن إدركتكم وأعوذ بالله أن تدرككم: ما عمل قوم بالفاحشة فظهرت فيهم واستعلت إلا ابتلاهم الله بالطاعون، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالسنين وشدة المؤونة وجور الأئمة، وما منع قوم صدقة أموالهم إلا منعهم الله المطر حتى لولا البهائم لم يسقوا المطر، وما نقض قوم عهد الله وعهد رسوله إلا بعث الله عليهم عدوا من غيرهم يأخذون بعض ما كان في أيديهم، وما من قوم لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".
والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (6/487، تحت رقم 3042)، من طريق ليث عن أبي محمد الواسطي عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله r فقال: كيف أنتم إذا خمس وأعوذ بالله أن أو تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط فعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم تمطروا وما بخس قوم المكيال والميزان إلا اخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولا حكم أمراؤهم بغير ما انزل الله عز وجل إلا سلط الله عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم وما عطلوا كتاب الله وسنة رسول إلا جعل الله بأسهم بينهم
ثم قال لعبد الرحمن بن عوف تجهز فغدا عليه وقد اعتم وأرسل عمامة نحوا من ذراع فأجلسه بين يديه ونقض عمامته بيده فعممها إياه وأرسل منها نحوا من أربع أصابع ثم قال: هكذا يا ابن عوف ثم سرحه". قال البيهقي عقبه: "إسناده ضعيف"اهـ

أما رواية ابن عباس:
فقد أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (3/346)، وفي الجامع لشعب الإيمان (6/ 484، تحت رقم  3039)، من طريق  الفضل بن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابن عباس قال: "ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم .
ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين ، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان الداء  بينهم أظنه قال والقتل".
قال البيهقي في الجامع لشعب الإيمان عقب إيراده: "كذا قال عن ابن عباس موقوفا"اهـ.
وقد صحح الألباني إسناد هذه الرواية، في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم (107).

وساقه ابن أبي شيبة في المصنف (15/116)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (6/485-486، تحت رقم 3041)، وأبو نعيم في الحلية (5/379)، من طريق عكرمة عن ابن عباس قال كعب الأحبار: إذا رأيت القطر قد منع فاعلم أن الناس قد منعوا الزكاة فمنع الله ما عنده. وإذا رأيت السيوف قد عريت فاعلم أن حكم الله قد ضيع فانتقم بعضهم من بعض. وإذا رأيت الزنا قد فشا فاعلم أن الربا قد فشا".هذا لفظ ابن أبي شيبة.

ولفظ البيهقي : "إذا رأيت المطر قد قحط فاعلم أن الزكاة قد منعت وإذا رأيت السيوف قد عريت فاعلم أن حكم الله تعالى قد ضيع فانتقم بعضهم ببعض وإذا رأيت أن الربا قد ظهر فاعلم أن الزنا قد فشا".
ولفظ أبي نعيم: "عن عكرمة قال: التقى ابن عباس وكعب فقال كعب: يا ابن عباس إذا رأيت السيوف قد عريت، والدماء قد أهريقت؛ فاعلم أن حكم الله قد ضيع، وانتقم الله لبعضهم من بعض. وإذا رأيت الوباء قد فشا، فاعلم أن الزنا قد فشا، وإذا رأيت المطر قد حبس فاعلم أن الزكاة قد حبست، ومنع الناس ما عندهم ومنع الله ما عنده".

و الطبراني في المعجم الكبير (11/45، تحت رقم 10992)، من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان حدثني أبي عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد وطاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "خمس بخمس  قالوا: يا رسول الله وما خمس بخمس  قال: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر".

وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم (107)، عن طريق هذه الرواية: "هذا إسناد ضعيف، يستشهد به"اهـ

وأبوعمرو الداني في كتاب السنن الواردة في الفتن (3/686، تحت رقم 322)، من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن الحسن بن مسلم عن ابن عباس، قال: "ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان، و لا ظهر البخس في الميزان والقفيز والمكيال إلا ابتلوا بالسنة و لا ظهر نقض العهد في قوم إلا أديل منهم عدوهم".

وعند مالك في الموطأ في كتاب الجهاد باب ما جاء في الغلول، تحت رقم (998)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمْ الرِّزْقُ وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الدَّمُ وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ".

وتمام في فوائده (الروض البسام في ترتيب وتخريج فوائد تمام 2/130، تحت رقم 520)، من طريق مغيرة بن مغيرة عن أبيه عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن ابن عباس، قال: قال رسول الله: "إذا فشا في هذه الأمة خمس حل بها خمس: إذا أكلت الربا كان الزلزلة والخسف، وإذا جاز السلطان قحط المطر، وإذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة، وإذا منعت الزكاة ماتت البهائم، وإذا كثر الزنا كان الموت".

قال الذهبي في الميزان (4/165): "مغيرة بن مغيرة الربعي، لا أعرفه، روى عبدالله بن محمد الرملي الحافظ عنه، قال: سمعت أبي ..." – فذكر الخبر ، ثم قال: - هذا خبر منكر جداً، لا يحتمله الأوزاعي"اهـ قال صاحب البدر التمام: "وأبوه مثله، وشيخ تمام لم أقف على ترجمته."هـ

أما رواية بريدة:
فقد أخرجها ابن أبي حاتم في كتاب العلل (2/422)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/461، تحت رقم 2623)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (6/485، تحت رقم 3040) ، وفي السنن الكبرى (3/346)، من طريق أبي حاتم، وفي السنن الكبرى (9/231)، من طريق الحاكم، وابن عبدالبر في التمهيد (21/191)، من طريق أحمد بن عمرو البزار، جميعهم من طريق  عبيد الله بن موسى عن بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم، واللفظ كما عند البيهقي في الشعب "قال النبي r : "ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت ولا   منع قوم  الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر".

وقال الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"اهـ.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (9/231)، عقب إيراده للحديث: "خالفه الحسين بن واقد فرواه عن عبد الله بن بريدة عن بن عباس رضي الله عنهما من قوله أتم منه وروي في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم"اهـ 
وأخرجها الطبراني في الأوسط (5/26، تحت رقم 4577)، من طريق سليمان بن موسى أبو داود الكوفى عن فضيل بن مرزوق عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منع قوم  الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين".

وقال عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن فضيل بن مرزوق إلا سليمان بن موسى، تفرد به: مروان بن محمد الطاطري"اهـ
و في الأوسط (7/40، تحت رقم 6788)، من طريق سليمان ابن موسى الكوفي عن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منع قوم  الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين"
وقال عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن فضيل بن غزوان إلا سليمان بن موسى تفرد بن مروان ابن محمد"اهـ

أما رواية عمرو بن العاص:
فقد أخرجها أحمد في (المسند 29/356، تحت رقم 17822، الرسالة)، من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ"

شرح الحديث
لم يترك نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ينفع أمته إلا ودلهم عليه، ولم يترك شرًّا إلا وحذرهم منه، وفي حديثٍ جامعٍ لأسباب هلاك الأمم وزوالها، يحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته وينذرها من خمس خصال مهلكة، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه في سننه.

هذا الحديث العظيم الجامع يتضمن أوصافاً خمسة أو خصالاً خمس، إذا وقعت فيها الأمة، أتاها العذاب من الله سبحانه وتعالى معجلاً في الدنيا، بخلاف ما ينتظرها في الآخرة من الوعيد.

الخصلة الأولى: (لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)، حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من خطر ارتكاب الفاحشة وإظهارها والتمادي فيها، لأن ذلك ينتج عنه انتشار الطاعون والأمراض الفتاكة التي لم يسبق ظهورها في أسلافنا من الأمم، وقد ظهر تصديق ذلك بظهور طاعون العصر (الإيدز) والأمراض الجنسية الفتاكة، نتيجة ممارسة العلاقات المحرمة من زنا ولواط وغير ذلك.

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بمنهجٍ لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، وإنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني والبهيمي، ويرقِّيها إلى أسمى المشاعر والعواطف، التي تليق بالإنسان كإنسان، ويقيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من المشاعر النبيلة الرقيقة الراقية الطاهرة، يقول سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

ويهيئ ذلك المنهج المناخ الطاهر النظيف ليتنفس المسلم في جو اجتماعي طاهر نقي يتفق مع الفطرة السوية، بل ويحدد كثيراً من الضمانات الوقائية التي تحمي المجتمع المسلم من الوقوع في مستنقع الرذيلة الآسن العفن؛ ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الضمانات طائعاً مختاراً، وراح يتمرغ في وحل الرذيلة والفاحشة ليعيث في الأرض الفساد، وهذا هو قمة الخير للإنسانية كلها، لتعيش الجماعة كلها في هدوء وأمان.
ولنا في قوم لوط عبرة وعظة، فقد عاقبهم الله تعالى أشد العقاب، لإنتكاس فطرتهم وخروجهم عن المنهج الذي أمرهم به نبي الله لوط - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام -، قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} (النمل: 54)، فكانت النتيجة {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} (الحجر: 74).

الخصلة الثانية: (ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخِذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم) يحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من التلاعب بالمكيال والميزان، الذي توعّد الله فاعله بالويل والهلاك ، قال تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} (المطففين: 1-3)، فإذا انتشر ذلك في الأمة، فإنها تعاقب بعقوبات ثلاث:
أولها: منع المطر أو ندرته فتصاب الأرض بالقحط، وإذا أنبتت الأرض فإن الله يبتليهم بالحشرات والديدان والأوبئة التي تهلك الزروع والثمار .

وثانيها : شدة المؤونة، ويكون ذلك بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وضيق العيش.
وثالثها: أن يسلط الله عليهم الحاكم الذي يجور عليهم، ويفرض الضرائب الباهظة، ويكلفهم من الأشياء ما لا قدرة لهم عليه.

الخصلة الثالثة: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا) يشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن منع الزكاة وعدم إخراجها أو التحايل على ذلك، تكون عقوبته العاجلة هي منع القطر عنهم، ولولا وجود البهائم ما نزل عليهم المطر من السماء؛ لأنهم لا يستحقونه، لكونهم لم يُخرجوا حق الفقراء في مالهم.
وهذا يوضح سبب الجدب الذي ضرب أطنابه في الأرض، رغم أن الناس يستسقون ويستغيثون الله عز وجل ويطلبون منه المطر، وما ذاك إلا لأن الناس صاروا يتهاونون في إخراج زكاة أموالهم، وحينما يبخل الناس بالزكاة فإن الله تعالى يمنع عنهم المطر، الذي هو وسيلة لحياتهم، ولولا رحمة الله عز وجل بالبهائم ما أُمطِرت الأرض أبداً.

الخصلة الرابعة: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم) وفيها تحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته من نقض العهد والميثاق، وعاقبة ذلك أن الله يسلط عليهم عدوًّا من غير المسلمين، فيأخذون بلاد المسلمين، أو يتحكمون في مقدرات بلاد المسلمين وثرواتهم.
ولا يقتصر الأمر في ذلك على نقض العهود والمواثيق بين الناس، بل يدخل فيه ترك ما أمر الله عز وجل به وارتكاب ما نهى الله عنه.

الخصلة الخامسة: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) أي: إذا لم يحكموا بحكم الله سبحانه وتعالى، ويأخذون الخير من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا جعل الله الشقاق والعداوة والتنافر بينهم.

ولذلك فإن من يحاول لمَّ شتات العالم الإسلامي بغير كلمة التوحيد فإنما يحاول مستحيلاً؛ لأن هذه الأمة لن تجتمع إلا على دين الحق، ولن تتوحد إلا على كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، يقول الله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 137)، وهذا الشقاق سيبقى ما بقي الإعراض عن دين الله عز وجل وتحكيم شريعته، حتى يرجع الناس إلى دين ربهم جل وعلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...