الأحد، 18 ديسمبر 2016

اثر التعايش السلمي ودوره في أمن واستقرار المجتمع

 اثر التعايش السلمي ودوره في أمن واستقرار المجتمع

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) [الحجرات الآية 13]

لو تفكرنا في مضمون هذه الآية الكريمة لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى يخاطب جميع البشر مبيناً أن الاتجاه الذي يجب أن ينطلق وينبثق من حالة التنوع هو تنمية العلاقات السلمية بين الجماعات المتنوعة ليكون مآل ذلك إلى حالة التكامل بين الناس، وهذا يعني أن لا يجوز تحول التنوع الذي يحمل دائماً إمكانية التواصل التكاملي إلى تناقض وتعارض يبعد الجماعات الإنسانية عن بعضها البعض.

أثر التعايش السلمي على الفرد
إن الهدف السامي من التعايش السلمي هو جعل الفرد في حالة من الاستقرار والثبات فهو الوسام الذي أراده الله لخلقة أن يتحلوا به في حياتهم فهو يساعد على تفعيل المؤاخاة بين الناس وإزالة الحواجز والضغائن.

وكثيرة هي الآثار والنتائج الايجابية التي تنبثق ممن ممارسة السلم فبه يستطيع الإنسان تحقيق الانسجام والوئام مع الآخرين وبه يسمو ويتقدم في جميع مجالات حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .... الخ . ، فهو يتيح استقطاب الآخرين حتى وان كانوا أعداء أو مناوئين ومخالفين ومن هنا أيضا تدعو المفاهيم الإسلامية إلى التصرف الحكيم الدي يتضمن المفاهيم العقلانية والموضوعية.

ففي قوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) [فصلت  34] فهذه الآية تبين كيف يقتضي على الإنسان التصرف الحكيم إزاء خصمه وفق الجانب والاتجاه الذي يكمن في الحكمة والمصلحة العامة والتي نتاجها السلم والسلام والتآلف والوئام ، ولكن ذلك لا يتم إلا بتفعيل الصبر والذي يتمثل في الصعوبات والضغوطات التي قد تمارس من قبل الطرف الآخر إذ يقتضي عليه في مقابل ذلك تحمل تلك الصعوبات لان منطق الآية أنما يتجسد في الشخصية التي تحمل المفاهيم وتعي الحقائق التي بدورها تحقق غائية السلم (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) بمعنى صاحب الشأن الرفيع الذي لا يتقاعس أمام الصعوبات والتحديات .

ولا يتسنى لنا إحراز التعايش السلمي إلا إذا كانت للإنسان روح إيمانية تتضمن التفكير والعمل المتزن العقلاني الصحيح البعيد عن المراهنات والإعتباطات والتفريطات أما أن يرى الإنسان كل خير وفضيلة في نفسه ويرى الآخرين عن الفضيلة أبعد ويراهم منغمسين في الرذيلة فهذا الفكر لا بد أن ينتهي إلى غير السلام  ومن المعروف ثلاثة قليلها كثير وصغيرها كبير : النار والعداوة والمرض فعود ثقاب صغير يحرق مخزناً من الخشب فيه عشرات الأطنان وربما ينتهي مرض صغير بصاحبه إلى الموت وربما أدت عداوة صغيره ناشئة من كلمة نابية أو شبهها إلى سفك الدماء وفي التاريخ من القصص المذهلة والمؤلمة التي تدل على ذلك فمثلاًً ذكر المؤرخون عن حرب ( البسوس) وهي حرب دامت حوالي مائة سنة لو رجعنا إلى أسبابها وجذور تلك الحرب وأسبابها وعواملها ونشأتها لوجدنا أنها تافهة لا تستحق الذكر ، إذا على الإنسان أن يفكر تفكيراً عقلانياً موزوناً حتى ينتهي إلى العمل الموزون.

أثر التعايش السلمي على المجتمع
الأصل في الحياة الإنسانية التواصل والتعايش بين المجتمعات بعضها البعض، من خلال عدة قواسم مشتركة، تعمل في تفعيل التعايش الإيجابي، الذي لا ينحصر في مجال معين، وإنما في العديد من مجالات التعاون بين الشعوب والمجتمعات سواء كانت دينية أو اجتماعية أو اقتصادية وغير ذلك، والخطاب الدعوي عبر مراحله المستمرة عبر القرون يعمل على إيجاد نقاط التقاء لتكون منطلقا لإرساء دعائم التعايش، مع الآخرين.

الأثر الديني
ينطلق مفهوم التعايش الديني بين المسلم  والآخر على مبدأ عظيم وهو التسامح الذي يعترف بحقوق وحرية الآخر في اعتقاد ما يعتقد بأنه حق، ولعل سورة الكافرون كانت نبراسا لتأصيل التعايش وخاصة الآية الكريمة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون6]،فهذا اعتراف من القرآن الكريم بوجود أديان أخرى ، ولذا لابد من وجود علاقة تربطنا مع أهل الأديان مبنية على التسامح.[1]

الأثر الاجتماعي
التعايش الاجتماعي يحد من تطرف الصراعات العرقية، ويكسر من شوكة التعصب القبلي، ويزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع المختلفة، وينمي الشعور بالأخوة الإنسانية، ويقضي على الحقد والضغينة، ويشيع المحبة والتعاون بين الناس، ويقوي العلاقات بين الأفراد.

الأثر الاقتصادي
يمكن من خلال الجانب الاقتصادي ربط العلاقة مع الآخر من أجل التعاون في رفع مستوى الفقراء، وخلق فرص عمل لشعوب المجتمعات الفقيرة، والتقدم بها في ميادين العمل والإنتاج.
وقد وجد التواصل الاقتصادي في الحضارة الإسلامية، بين المسلمين وغيرهم، فقد كان المسلمون يهاجرون لأجل التجارة إلى بلاد الشام، وقد سافر الرسول بتجارة لخديجة أم المؤمنين، تعامل فيها مع غير المسلمين.

وعليه فإن التعايش الاقتصادي سيبقى مستَمرًّا بين الأمم والشعوب، ولذا ينبغي للمسلمين أن يركزوا على نوع من التعايش لربط جسور مع الآخر، وبخاصة أن المسلمين الأوائل كان العامل الاقتصادي سببا في دخول الكثيرين إلى الإسلام.

الأثر الثقافي
الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها، وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم ونهوضها، فلكل أمة ثقافة تستمد منها عناصرها ومقوماتها وخصائصها، وتصطبغ بصبغتها فتنسب إليها، وقد عرف التاريخ الإنساني العديد من الثقافات كالثقافة اليونانية والثقافة الرومانية والثقافة الهندية والثقافة الفارسية، والثقافة العربية الإسلامية.
وقد استعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقي الأدبي والفكري والاجتماعي للأفراد والجماعات، فالثقافة ليست مجموعة أفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، ويكون للعقائد والقيم واللغة والمبادئ والسلوك والقوانين شعارا للتمايز بين الثقافات وتنوعها.

والثقافة لها دور كبير في تفعيل التعايش بين الآخرين وذلك لما تحمله من معاني سامية تميزها عن غيرها فخصائصها تكمن في أنها ظاهرة إنسانية، أي أنها تأصيل بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبير عن إنسانيته، كما أنها وسيلته المثلى في الالتقاء مع الآخرين.


والثقافة الإسلامية تختلف عن الثقافات الأخرى في أن مقومات كل منها تختلف عن الأخرى، فالثقافة الإسلامية تستمد من الوحي الإلهي، بينما الثقافات الأخرى فهي ثقافة إنسانية محضة نابعة من فكر فلاسفة اليونان والقوانين الرومانية وتفسيرات المسيحية

وفي فترة وجيزة استطاعت الثقافة الإسلامية أن تعيش في مختلف البلاد التي دخلها الإسلام، وجعل كثيرٍ من معالم الثقافات المحلية القائمة تتكيف مع مقومات الثقافة الإسلامية، فأصبحت العادات والأعراف تنسجم في غالب الأحيان مع ثوابت الثقافة الإسلامية، والفوارق تكمن في الممارسة والتطبيق، على أن هذا كله لا يصل إلى مجال العقائد والقيم والمقاصد.[2]

محمد احمد سليم
معلم بالأزهر الشريف


[1] : التعايش السلمي الايجابي البناء في مجتمع متعدد، فوزي فاضل الزفزاف، مجلة التواصل،س5، ع 17، ص67-69، 2008م
[2] [2] : الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، ، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم،الرباط، المغرب، 1997م ص56

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...