الأحد، 18 ديسمبر 2016

الإعجاز العلمي في قوله تعالى (وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾

الإعجاز العلمي في قوله تعالى (وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾[1]

قال تعالى في مطلع الربع الثاني من سورة الأنبياء (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ففتقتاهما ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)
وهي سورة مكية وآياتها 112 بعد البسملة ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الإسلامية , ومن ركائزها الإيمان بالله , وبملائكته , وكتبه , ورسله ,واليوم الآخر , والتوحيد الخالص لجلال الله ( بغير شريك ولاشبيه ولا زوجة ولا ولد ولا منازع له في سلطانه )[2]

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

من الدلالات العلمية التي يمكن استخلاصها من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏
‏( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)[1]

1-   أن الماء سابق في وجوده على جميع الخلائق وتشكل قبل خلق الأرض .

أثبتت الدراسات الجيولوجية انه يبلغ عمر كوكب الأرض حوالي 4.54 مليار سنة (4.54 × 109سنة ± 1%).، )[2]
بينما يرجع عمر أقدم أثر للحياة في صخور الأرض إلي‏3.8‏ بليون سنة مضت‏,‏ وهذا يعني أن عملية إعداد الأرض لاستقبال الحياة استغرقت أكثر من ثمانمائة مليون سنة ـ وربنا تبارك وتعالي قادر علي أن يقول للشيء كن فيكون‏,‏ وإنما جاء الخلق علي مراحل متطاولة من الزمن بهدف إعانة الإنسان علي تتبع سنن الله في الأرض‏,‏ وعلي حسن توظيفها في عمارة الحياة‏,‏ لأن كلا من الزمان والمكان إذا كان من أبعاد المادة‏,‏ وحدود الإنسان‏,‏ فهو من خلق الله‏,‏ والمخلوق لا يحد الخالق أبدا‏...‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ فوق جميع خلقه بما في ذلك المادة والطاقة والزمان والمكان‏.‏
وخلال هذه الفترة الطويلة من إعداد الأرض لاستقبال الحياة فجر الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض بالثورات البركانية التي أخرجت كلا من أغلفة الأرض الصخرية‏,‏ والمائية‏,‏ والهوائية‏,‏ كما كونت السلاسل الجبلية التي اندفعت من قاع المحيط الأولي الغامر للأرض‏.‏ حتى أصبح كوكبنا مهيأ ليكون محضناً لنوع الحياة الأرضية‏.‏

2-   ‏ إن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق كل صور الحياة الأرضية الأولى في الماء
 لأن الأوساط المائية في بدء خلق الأرض كانت أنسب البيئات لاستقبال الحياة‏,‏ ودراسات بقايا الحياة في صخور الأرض تشير إلي أن الحياة المائية استمرت علي الأرض قرابة‏3360‏ مليون سنة‏(‏ في الفترة من‏3800‏ مليون سنة مضت إلي‏440‏ مليون سنة مضت‏)‏ قبل خلق أول نباتات علي اليابسة‏.‏

3- أن خلق النبات كان دوما سابقا لخلق الحيوان‏
‏ وأن عملية الخلق قد توجها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بخلق الإنسان‏,‏ وعلي ذلك فإن خلق النباتات البحرية كان سابقا لخلق الحيوانات البحرية‏,‏ وكذلك خلق النباتات الأرضية علي اليابسة كان سابقا لخلق الحيوانات علي اليابسة‏,‏ وكل ذلك كان سابقا لخلق الإنسان وهو المخلوق الذي كرمه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فقال‏(‏ عز من قائل‏)ولقد كرمنا بني آدم‏...‏)[3]
والحكمة من ذلك جلية‏,‏ بينة واضحة‏,‏ لأن الإنسان يعتمد في غذائه علي كل من النبات والحيوان‏.‏ ولأن كلا من الإنسان والحيوان يعتمد في غذائه علي النبات‏,‏ ولأن النباتات لعبت ـ ولا تزال تلعب ـ الدور الرئيسي في إمداد الغلاف الغازي للأرض بالأوكسجين الذي بدونه ما كانت حياة أي من الحيوان أو الإنسان ممكنة‏...!!‏
يضاف إلي ذلك أن النبات الأخضر هو المصنع الرباني الذي تتخلق فيه الجزيئات العضوية اللازمة لبناء أجساد كل صور الحياة النباتية والحيوانية والإنسية وذلك بواسطة الماء المقبل مع العصارة الغذائية المستمدة من الأرض‏,‏ وثاني أكسيد الكربون المستمد من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ والطاقة المستمدة من الشمس وعملية التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء لا تتم في غيبة الماء‏,‏ الذي يتكون كل جزيء فيه من ذرتي إيدروجين‏,‏ وذرة أوكسجين واحدة‏,‏ والنبات يستمد الماء من العصارة الغذائية التي تمتصها جذوره من تربة وصخور الأرض‏,‏ ويستمد الطاقة من ضوء الشمس بواسطة الصبغة الخضراء التي أودعها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في خلايا النبات والمعروفة باسم اليخضور‏,‏ والتي أعطاها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ القدرة علي تحليل جزيء الماء إلي أيون من الإيدروجين يحمل شحنة كهربائية موجبة‏,‏ وأيون آخر من الإيدروكسيد يحمل شحنة كهربائية سالبة‏,‏ وباتحاد كل اثنين من أيونات الإيدروكسيد يتكون جزيء من الماء وذرة من ذرات الأوكسجين الذي ينطلق إلي الغلاف الغازي للأرض لتعويض ما تستهلكه بقية الكائنات الحية من هذا الغاز الضروري للحياة عن طريق التنفس‏.‏

وتتحد أيونات الإيدروجين الناتجة عن عملية تحلل الماء مع جزيئات ثاني أكسيد الكربون الذي يستمده النبات من الجو المحيط به ليكون جميع أنواع الجزيئات العضوية اللازمة لبناء الخلايا الحية‏,‏ مبتدئا بأبسطها‏,‏ وهو سكر العنب‏(‏ الجلوكوز‏)‏ وغيره من السكاكر والنشويات‏(‏ الكربوهيدرات‏),‏ منتهيا إلي البروتينات‏,‏ والزيوت‏,‏ والدهون‏,‏ ومركبات ذلك من الأحماض الأمينية‏,‏ والأحماض النووية التي تكتب بها الشفرة الوراثية لكل كائن حي‏.‏
وبهذه العملية يختزن جزء من طاقة الشمس علي هيئة روابط كيميائية تلعب الدور الرئيسي فيها أيونات الإيدروجين الموجودة في الماء‏,‏ بينما الأوكسجين المنطلق من الماء إلي الجو عن طريق عملية التمثيل الضوئي فإنه يستخدم بواسطة بقية الكائنات الحية في عملية التنفس وهي عملية ينتج عنها أكسدة المواد العضوية في الطعام والمأخوذة أصلا من النبات مباشرة‏(‏ أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الحيوان إلي ثاني أوكسيد كربون وماء‏,‏ وبذلك يسترجع الغلاف الغازي للأرض ثاني أوكسيد الكربون الذي أخذه منه النبات‏,‏ كما يسترجع قدرا من طاقة الشمس التي استفاد بها النبات علي شكل حرارة ناتجة عن جميع الأنشطة التي تقوم بها الكائنات الحية‏,‏ أو تتركها علي هيئة بقايا وفضلات تتأكسد وتعود هي الأخرى إلي الجو‏.‏

من هنا يتضح أن الماء ضروري لبناء أجساد كل الكائنات الحية‏,‏ كما أنه ضروري لمساعدتها علي الاستمرار في القيام بمختلف نشاطاتها ومظاهرها الحيوية‏.‏

4- قدرة الماء الكبيرة على إذابة المركبات الكيميائية المختلفة.
إن الماء أعظم مذيب يعرفه الإنسان ولذلك يشكل الوسط المذيب للعديد من العناصر والمركبات التي يقوم بنقلها من تربة وصخور الأرض إلي مختلف أجزاء النبات‏,‏ ومن الطعام إلي مختلف أجزاء جسم كل من الإنسان والحيوان‏.‏ وذلك بما له من درجة عالية من اللزوجة والتوتر السطحي‏,‏ وخاصية شعرية فائقة‏.

5- أن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الكائنات الحية‏.
 فقد ثبت بالتحليل أن نسبة الماء في جسم الإنسان تتراوح بين حوالي‏71%‏ في الإنسان البالغ‏,‏ و‏93%‏ في الجنين ذي الأشهر المحدودة‏,‏ بينما يكون الماء أكثر من‏80%‏ من تركيب دم الإنسان‏,‏ وأكثر من‏90%‏ من أجساد العديد من النباتات والحيوانات‏.‏
وثبت أن 65% من مجموع ماء الجسم يوجد داخل خلايا جسم الإنسان, وهذا الماء يكون بروتوبلازم الخلية , و يسمى بالانجليزية intracellular  water.

أما الباقي الذي يبلغ 35% و هو الموجود خارج الخلايا ويسمى بالانجليزية  extra cellular, ينقسم إلى قسمين, فأما الأول هو الماء الموجود داخل الأوعية الدموية و هو من مكونات الدم أو بلازما الدم .و أما الثاني فهو موجود بين خلايا جسم الإنسان المختلفة.
لو نظرت إلى النسب التالية ستعرف أن أي فقدان أو أي خلل في توازن الماء في جسم الإنسان سيؤثر على صحته بشكل كبير.
·       الماء يشكل 70% من كتلة العضلات.
·       الماء يشكل 75% من كتلة الدماغ.
·       الماء يشكل 20% من كتلة العظام.
·       الماء يشمل 83%  من مكونات الدم.

ويمكن أن تتلخص وظائف الماء في جسم الإنسان بالتالي:
·       الماء ينقل المواد الغذائية و الأكسجين في الدم للخلايا و داخل الخلايا.
·       الماء يحافظ على صحة و متانة كل خلية في الجسم.
·       الماء يرطب مجرى الهواء عند التنفس.
·       الماء يحمي الدم من التجلطات.
·       الماء يحافظ على درجة حرارة الجسم  ثابتة , وذلك من خلال التعرق.
·       الماء يساعد على الهضم ويحمي الجسم من الإمساك.
·       الماء يقلل من البكتيريا الموجودة داخل المثانة ويحميها من الإصابة بالالتهابات.
·       الماء يرطب الجلد ويحميه من تغيرات الجو , و يبقي شكله جميلاً.
·       الماء يساعد الجسم على التخلص من الفضلات و السموم و البكتيريا عن طريق التبول أو التعرق أو التبرز.


6- أن جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة من التغذية إلي الإخراج ومن النمو إلي التكاثر لا تتم في غيبة الماء .
 بدءا من التمثيل الغذائي‏,‏ وتبادل المحاليل بين الخلايا وبعضها البعض‏,‏ وبينها وبين المسافات الفاصلة بينها‏,‏ وذلك بواسطة الخاصية الشعرية للمحاليل المائية التي تعمل من خلال جدر الخلايا‏,‏ وانتهاء ببناء الخلايا والأنسجة الجديدة مما يعين علي النمو والتكاثر‏,‏ وقبل ذلك وبعده التخلص من سموم الجسم وفضلاته عن طريق مختلف صور الإفرازات و الإخراجات‏.‏

هذا بالإضافة إلي ما يقوم به الماء من أدوار أساسية في عمليات بلع الطعام‏,‏ وهضمه‏,‏ وتمثيله‏,‏ ونقله‏,‏ وتوزيعه‏,‏ ونقل كل من الفيتامينات‏,‏ والهرمونات‏,‏ وعناصر المناعة‏,‏ ونقل الأوكسجين إلي جميع أجزاء الجسم‏,‏ وإخراج السموم والنفايات إلي خارج الجسم‏,‏ وحفظ حرارة الجسم ورطوبته وما يقدم لذلك أو يترتب عليه من العمليات الحيوية‏,‏ وعلي ذلك فلا يمكن للحياة أن تقوم بغير الماء أبدا‏,‏ فمن الكائنات الحية ما يمكنه الاستغناء كلية عن أوكسجين الهواء‏,‏ ولكن لا يوجد كائن حي واحد يمكنه الاستغناء عن الماء كلية‏,‏ فبالإضافة إلي منافعه العديدة وفي مقدمتها أنه منظم لدرجة حرارة الجسم‏,‏ بما له من سعة حرارية كبيرة‏,‏ ومنظم لضغط الدم‏,‏ ولدرجات الحموضة‏,‏ فإن في نقصه تعطش الخلايا ويضطرب عملها‏,‏ وتتيبس الأنسجة‏,‏ وتتلاصق المفاصل‏,‏ ويتجلط الدم ويتخثر‏,‏ ويوشك الكائن الحي علي الهلاك ولذلك فإن أعراض نقص الماء بالجسم الحي خطيرة للغاية‏,‏ فإذا فقد الإنسان علي سبيل المثال‏1%‏ من ماء جسده أحس بالظمأ‏,‏ وإذا ارتفعت نسبة فقد الماء إلي‏5%‏ جف حلقه ولسانه‏,‏ وصعب نطقه‏,‏ وتغضن جلده‏,‏ وأصيب بانهيار تام‏,‏ فإذا زادت النسبة المفقودة علي‏10%‏ أشرف الإنسان علي الهلاك بالموت‏.‏

وفي المقابل فإن الزيادة في نسبة الماء بجسم الكائن الحي علي القدر المناسب له قد تقتله‏,‏ فالزيادة في نسبة الماء بجسم الإنسان قد تسبب الغثيان‏,‏ والضعف العام وتنتهي بالغيبوبة التي تفضي إلي الموت‏.‏

7- يمثل الماء 71% من مساحة الأرض بينما تمثل القشرة الأرضية 29% .
يغطي الماء في زماننا الراهن حوالي‏71%‏ من مساحة سطح الأرض المقدرة بنحو‏(510)‏ ملايين كيلو متر مربع‏,‏ بينما تشغل مساحة اليابسة حوالي‏29%‏ من تلك المساحة‏.‏

والأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته علي السطح بنحو‏1,4‏ بليون كيلو متر مكعب‏,‏ بالإضافة إلي مخزون يقدر بمئات أضعاف هذا الرقم في نطاق الضعف الأرضي‏,‏ يخرجه لنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقدر معلوم مع ثورات البراكين‏.‏
ويتوزع أغلب الماء علي سطح الأرض‏(‏ حوالي‏97,22%)‏ في البحار والمحيطات التي تغطي مساحة تزيد علي‏362‏ مليون كيلو متر مربع‏,‏ بمتوسط عمق يقدر بحوالي‏3800‏ مترا مما يعطي لبحار ومحيطات الأرض حجما يزيد قليلا علي‏(1375)‏ مليون كيلو متر مكعب من الماء المالح‏.‏

هذا بالإضافة إلي كم من الجليد يغطي قطبي الأرض‏,‏ وقمم الجبال بسمك يصل إلي أربعة كيلو مترات في القطب الجنوبي وإلي‏3800‏ متر في القطب الشمالي‏,‏ ويقدركم الماء في هذا الغطاء الجليدي بحوالي‏(2,15%)‏ من مجموع الماء علي سطح الأرض‏,‏ والنسبة الباقية وتقدر بحوالي‏(0,63%)‏ من مجموع ماء الأرض تمثل أغلبها بالمخزون المائي في صخور قشرة الأرض ونسبته‏0,613%‏ ويمثل الباقي‏(‏ وتقدر نسبته بحوالي‏0,017%)‏ بمخزون البحيرات الداخلية‏,‏ وكم الماء الجاري في الأنهار والجداول‏,‏ ورطوبة كل من الجو والتربة‏,‏ التي تعين الأرض علي الإنبات‏,‏ وتلعب دورا مهما في تكوين السحب التي تدفع عن الأرض جزءا كبيرا من حرارة وأشعات الشمس بالنهار‏,‏ كما ترد إلي الأرض معظم الدفء الذي تشعه صخورها إلي الجو بمجرد غياب الشمس‏.‏
وهذا التوزيع المعجز للماء علي سطح الأرض لعب ـ ولا يزال يلعب ـ دورا أساسيا في تهيئة مناخ الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ فلولا هذه المساحات المائية والجليدية الشاسعة لاستحالت الحياة التي نعرفها علي سطح الأرض‏,‏ لأن درجة حرارة نطاق المناخ كان من الممكن أن تصل إلي أكثر من مائة درجة مئوية بالنهار‏,‏ وأن تنخفض إلي ما دون المائة درجة تحت الصفر المئوي بالليل‏,‏ وهو تباين لا تقوي عليه كل صور الحياة المعروفة لنا‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله ورحمته أن تحمينا من هذه المخاطر بواسطة الغلاف المائي للأرض الذي ينظم درجة حرارتها‏,‏ وحرارة الهواء المحيط بها في نطاق المناخ‏,‏ وذلك بتكرار عمليات التبخير بكميات كبيرة من الماء‏(‏ تقدر سنويا بحوالي‏380,000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ وتكثيف هذا الكم الهائل من بخار الماء علي هيئات السحاب والضباب والندي‏,‏ وإنزاله إلي الأرض علي هيئة المطر‏,‏ والثلج والبرد‏,‏ وما يصاحب ذلك من رعد وبرق‏,‏ وما ينزل معهما من مركبات النيتروجين وغيره من العناصر التي تثري تربة الأرض بما يحتاجه النبات من مركبات‏,‏ وما يصاحب كل ذلك من إحياء للأرض بعد موتها‏,‏ بتقدير من الخالق البارئ المصور  (الذي خلق فسوي‏*‏ والذي قدر فهدي‏)[4]

8- الماء يساعد علي حفظ درجات الحرارة في البحار والمحيطات .

الماء يساعد علي حفظ درجات الحرارة في البحار والمحيطات في الحدود التي تعين الحياة البحرية علي النشاط‏,‏ وذلك باختلاط التيارات البحرية الدافئة والباردة‏,‏ وبامتصاص جزء كبير من أشعة الشمس ومما تنتجه الأحياء البحرية من حرارة نتيجة لمختلف أنشطتها الحيوية‏,‏ والعمل علي إعادة توزيعها‏,‏ وكذلك توزيع الحرارة الناتجة عن ثورات البراكين فوق قيعان كل محيطات الأرض‏,‏ وقيعان أعداد من بحارها‏,‏ وقبل ذلك وبعده وقاية الأحياء البحرية من مختلف التقلبات الجوية خاصة عندما تنخفض درجات الحرارة إلي ما دون الصفر المئوي‏,‏ وهنا يلحظ كل عاقل دور القدرة المبدعة في الخلق والتي أعطت الماء عددا من الخصائص الفيزيائية والكيميائية التي لا تتوافر لغيره من العناصر ومركباتها‏,‏ وأبرزها قلة كثافة الماء عند تجمده مما يضطره إلي الطفو علي سطح مياه البحار والمحيطات في المناطق الباردة والمتجمدة بدلا من الغوص إلي قيعانها والقضاء علي مختلف صور الحياة فيها‏,‏ ويقوم الجليد الطافي علي سطح الماء بدور العازل بين درجات حرارة الهواء الشديد البرودة من فوقه‏,‏ والماء الدافئ نسبيا من تحته وما فيه من حياة زاخرة‏.‏


1-  أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ حبا الماء من صفات طبيعية وكيميائية فريدة‏

‏ التي من أهمها أيضا قدرته الفائقة علي إذابة أعداد كبيرة من المواد الصلبة والسائلة والغازية‏,‏ وبناؤه الجزيئي ذو القطبية المزدوجة والمقاوم للتحلل والتأين‏,‏ ودرجتا التجمد والغليان المتميزتان‏,‏ والحرارة النوعية المرتفعة‏,‏ والحرارة الكامنة العالية‏,‏ واللزوجة والتوتر السطحي الفائقان‏,‏ وقلة كثافته عند التجمد‏,‏ وقدرته الكبيرة علي الأكسدة والاختزال‏,‏ وعلي التفاعل مع العديد من المركبات الكيميائية‏,‏ وعلي تصديع التربة وشقها لمساعدتها علي الإنبات‏,‏ وبذلك هيأه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للقيام بدوره الرئيسي في أجساد كل أنواع الحياة النباتية والحيوانية والإنسية مما يعتبر معجزة كبري من معجزات الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏ (‏وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )[5] وجاء ذلك مباشرة بعد تقرير خلق السماوات والأرض بعملية فتق الرتق وهي من أعظم معجزات الخالق‏(‏ سبحانه‏)‏ في إبداعه للكون‏,‏ والخطاب في مطلع الآية الكريمة موجه للذين كفروا‏,‏ ولذلك ختمت بهذا الاستفهام التقرير‏,‏ التقريعي‏,‏ التوبيخي‏:‏ أفلا يؤمنون‏.‏

10- أن الماء كان له العامل الأكبر في نشأة الحضارات الإنسانية.[6]

كان آباؤنا الأوائل دائمو الترحال، سواحون في الأرض بحثا عن الماء والطعام، حتى اكتشفوا الزراعة، التي كانت اللبنة الأولى في بناء الحضارة بما وفرته من مُستقر ومستودع. فلم يعد الإنسان بعدها في حاجة إلى التنقل، فأستقر هانئا حول الأنهار، يأكل مما يزرع، يتغنى بالشعر والأهازيج، يتسامر بالقص والرواية، يطور من نظمه الاجتماعية والسياسية، و يتأمل الكون ويستكشفه. وسرعان ما أدرك أصحاب الحضارات القديمة الأهمية الاقتصادية للمياه وأسسوا نظما متقدمة للاقتصاد الزراعي. حتى أن المصريين القدماء إعتمدوا مقاييسًا لمنسوب النيل، تُقَدِّرُ غزارة الفيضان وتُجبى بمقتضاها الضرائب الزراعية. ثم جاء إبتكار الرومانيين واليونانيين لطرائق نقل المياه من مصادرها الطبيعية إلى المدن عن طريق قنوات منحدرة تمدد لعشرات الكيلومترات، ليخطو بالحضارة الإنسانية خطوات واسعة و يحقق نموا عمرانيًا وصناعيًا غير مسبوق. فمنذ ذلك الوقت، لم يعد للإنسان حاجة أن يستقر إستقرارًا متاخمًا لمنابع المياه، بعد أن طوعها لتصب إليه حيثما حل وسكن. وهكذا شكلت المياه الحضارة الإنسانية منذ بدايتها.
كما ظل للماء حضور دائم في العقل والوجدان الإنساني، في فنونه وآدابه، ودياناته أيضا. فيَلزَمُ في اليهودية الغطس في بركة من المياه الطبيعية (تسمى الميكفاه) للتطهر من الدنس والآثام والآلام. والدخول في المسيحية يستلزم التعميد، وهو طقس ينطوي علي غمر الجسد في الماء بشكل أو بأخر. و يوجب الإسلام، الوضوء بالماء الطهور قبل كل صلاة، كما يشير القرآن الكريم إلا أن عرش الله، كان في البدء على الماء.






[1] الأنبياء 30
[2]  Age of the Earth". U.S. Geological Survey. 1997. عمر الأرض
[3] الاسراء 70
[4] الأعلى  2-3
[5] الأنبياء 30
[6] أسرار دورة الماء .  محمد صبري يوسف

[1] سورة الأنبياء 30
[2] من اسرار القران  - من مقالات  د/زغلول النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية

  Toggle navigation 24 سبتمبر, 2017 بوابة الأزهر تنشر الكتب الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية    طباعة في إطار خطة بو...